عصر القلق
سمر السمارة
في العام 1948 نشر الشاعر “دبليو أتش أودن” قصيدة طويلة بعنوان “عصر القلق” عبّر من خلالها الشخصيات الأربع عن قلقهم بشأن اندماجهم في عالم دمّرته حربان عالميتان وهدّدته حرب عالمية ثالثة وحرب نووية. وصف الوجوه في الحانات والناس الذين يحاولون التشبّث بأيامهم العادية التي لم تعد موجودة، وكلهم أمل في أن الأضواء لن تنطفئ، وأن الموسيقى ستشغل دائماً.
تميّزت الفترة بأكملها، منذ العام 1914 حتى يومنا هذا بالقلق الذي خلقته تجربتنا المشتركة في الحياة المتعلّقة بالنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المهيمن الذي يدمّر الفرد ويهدّده باستمرار بإبادة الجنس البشري. وفي تلك الآونة، تطلبت الإنسانية المعذّبة التدخل من أجل الأمل بشيء أفضل. ولفترة من الزمن، أي في حقبة صعود الاشتراكية، وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى وخلال الثورة المضادة في الاتحاد السوفييتي آنذاك، ظهرت روح إنسانية جديدة وخلقت ظروفاً جعلت الناس على قدر أكبر بوعيهم الذاتي، تعلّموا أن الآخر ليس عدواً أو منافساً بل صديقاً، أو أخاً، يمكنهم معاً فعل أي شيء، وبذلك يتحوّل القلق إلى الثقة والهدوء والعزم والشجاعة.
نشأت حركات التحرير ضد جميع الدول الإمبريالية، بدعم من الدول الاشتراكية، وبذلك أصبحت إمكانية وجود عالم أفضل متوفّرة، وإمكانية وجود إنسان جديد تحكمه روح التعاون والاحترام من خلال الحب بدلاً من الحرب. ولكن، على الرغم من استمرار المحاولات، فإن الواقع الحالي يؤكّد العودة إلى القلق العالمي، فالحرب النووية ممكنة الحدوث في أي وقت، إذ يهدّد الأمريكيون بشنها.
إن تغير المناخ الذي تسبب به الإنسان، وحده يؤدي لتهديد وجودي فوري، فدرجات الحرارة ترتفع بمعدل أسرع من المتوقّع رسمياً، إذ تتعطّل أنظمة المناخ، وتُهدد المحاصيل، وتزداد حموضة المحيطات، ويذوب الجليد ويرتفع منسوب المياه في البحار. لقد دمّرت حضارتنا الصناعية النظم البيئية العالمية، وهناك إجماع علمي يشير إلى أننا في خضم حدث الانقراض الجماعي السادس، وأن نتيجته النهائية ليست بعيدة، عقود على الأكثر أقصر بكثير من بعض التقديرات.
يولّد التطاحن اليومي في النظام الرأسمالي القلق اليومي الذي نواجهه جميعاً، القلق بشأن الحصول على المال الذي نحتاجه للعيش في هذا النظام، وحول دفع الفواتير وفقدان العمل، الذي ربما نكرهه في أي حال، ولا نقوم به إلا للضرورة أو كبديل للشارع والجوع والبرد والخوف من الفقر. تحوّل الإنسان في العصر الحديث إلى آلة بشرية يستهلكها نظام الماكينة ثم يتخلص منها، تم تحويلنا الآن إلى عبيد دون البشر.
وبالإضافة إلى كل هذه الخلفية من هواجس القلق، نعيش الآن تحذيرات من الموت الوشيك من فيروس كورونا والاضطراب غير المسبوق في كل مجالات حياتنا. إذ يواجه الكثيرون الآن الواقع المر المتمثّل في فقدان مكانهم في اليانصيب الرأسمالي مع انهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي وتوقّف النظام عن العمل، وعدم اليقين والخوف الموجودان أكثر من أي وقت مضى.
وكما هي الحال في كافة أشكال وحالات القلق، نرى صعود مستويات اللاعقلانية والخرافة، بينما يحاول الناس إقناع أنفسهم، “مثل الأطفال الذين يخافون من الليل” أن ذلك لا يحدث بالفعل، أو أن الإنسان خلق هذا الفيروس بدلاً من الطبيعة،
إذ أن ذلك يعطيهم مزيداً من الأمان بالقول أنه تمّ انشاءه أكثر من أنه فعل عشوائي من الطبيعة، والذي يبدو أنه يخيفهم بشكل أكبر.
لقد قرأنا مؤخراً، العديد من المقالات التي تقدم هذه الادعاءات. ويزعم البعض أن هذا الفيروس كان نتيجة خطأ حدث في مختبر صيني للحرب البيولوجية أدى لتسرب الفيروس، كما زعم أخرون أن مختبراً للجيش الأمريكي قام بتسريبه. في الواقع، لم تقدّم أي من هذه الادعاءات دليل، بدلاً من ذلك، استخدمت المضاربة والتخمين بناءً على حقائق خاطئة أو على المصادفات. كتب البعض مقالات تناقض بعضها البعض، كتب أحدهم مقالاً، تبيّن فيما بعد أن الجيش الأمريكي كان وراء تلك المقال، وفي وقت لاحق كتب مقال آخر يشير إلى أن كل ذلك كان مؤامرة من قبل بيل غيتس.
في الحقيقة، يتم تداول هذه المقالات بشكل كبير، لذا سرعان ما بدأ ترامب بإلقاء اللوم على الصين، وفي نفس الوقت تلوم الصين الولايات المتحدة لتفاقم الوضع المتوتر أصلاً بين البلدين ما يمكن أن يؤدي إلى حرب نووية، فمثل هذه المقالات تؤجج تلك النار. في حين أن تلك المقالات التي تزعم أنها مؤامرة لـ “الهيمنة على العالم” وأن ما يحدث يجب ألا يثير القلق، يمكن أن تعرّض الناس للخطر من خلال تجاهل أي تدابير تم وضعها لحمايتهم.
بالطبع لا يمكننا إنكار النوايا الشريرة وإمكانات آلة الحرب الغربية، وبالطبع كل شيء ممكن، ولكن حتى يأتي شخص ما ببعض الأدلة الملموسة والموثوقة، على سبيل المثال، أن الفيروس كان هجوماً على الصين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ادعاء يمكن أن يضيف الشرارة إلى برميل بارود الحرب، دعونا نفترض أنه شيء ألقته الطبيعة علينا، وأنه بدلاً من خلق مزيد من الانقسام بين دول وشعوب العالم يجب علينا جميعاً التصرّف معاً لمساعدة بعضنا البعض بينما تتحد الإنسانية للتغلب على هذا التهديد الجديد.