الإدارة السليمة للموارد المتاحة تتطلب استثمار الكفاءات البشرية
جاءت الحرب الإرهابية على سورية بهدف تدمير موارد الدولة وبناها التحتية، ومن أبرزها العنصر البشري والفكري، حيث شهدنا استهدافا واضحا وصريحا للكفاءات الموجودة والتي تعتبر الرافعة الكبرى للبناء والتحديث. وجاء هذا الاستهداف من خلال القتل والتخويف والإرهاب المنظم، ما دفع كثيرا من هذه الكوادر إلى الانزواء أو الهجرة إلى الخارج، حيث أصبح ذلك ظاهرة أثرت في أجزاء كبيرة منها على التنمية من خلال غياب الكفاءات البشرية والفكرية الوطنية. ولكن هذه الحالة أخذت بالتبدل البطيء بعد عودة قسم ممن خرجوا من سورية للمشاركة في طرح خطط واستراتيجيات إعادة الإعمار لأن خواتيم الحرب قد لاحت في الأفق فكان لا بد من العودة لتكون بصمة إعادة الإعمار بيد وطنية سورية.
العامل الفكري
ومن المعلوم أنه لإدارة سليمة لموارد الدولة المتاحة وخصوصا العامل البشري والفكري، يجب القيام بعدة خطوات من أبرزها حصر الموارد الموجودة في الدولة وفي مقدمتها العامل البشري ودراسة الأولويات والاحتياجات وترتيبها من الأهم إلى الأقل أهمية، وتخفيف القيود على التشريعات الموجودة التي تقف عائقا أمام التنمية الصحيحة لأنها منفرة للاستثمار نظرا للعوائق الموجودة بين طياتها، إضافة إلى التخطيط السليم لإدارة الموارد والمؤسسات من قبل الخبرات الإدارية والابتعاد عن المحسوبية لما فيها من أثر سلبي على قطاع التنمية، وإيجاد صيغ تشاركية بين القطاع العام والخاص أو الخارجي من الدول الصديقة مع الاعتماد على رؤوس الأموال الوطنية لرجال الأعمال السوريين من خلال تمويل المشاريع وبناء صناديق استثمارية لخلق بيئة مناسبة وبسيطة بعيدة عن التعقيدات وضمن القانون، ما يتطلب الاعتماد على الجودة في الخدمة والأداء لتخفيف الفاقد وتوظيف الفكر والعنصر البشري بالشكل الأمثل من خلال اختيار قيادات تملك الإرادة الحقيقية للإصلاح والإعمار في كل القطاعات وضرورة وجود معايير دقيقة لاختيار هذه القيادات.
تغيير الطريقة
عن دور العامل البشري في التنمية والاستثمار يشدد بدر الدين محمد، الباحث في علم الإدارة، على وجوب تغيير طريقة تفكير الإدارات بشأن الموظف الذي تعتبره بيدقا في رقعة شطرنج يتم الاستغناء عنه متى شاءت، علما أن هذا الموظف قد يكون درعا حصينا لأهم حجر في الرقعة شرط توجيهه وقيادته بالشكل الأمثل، ولكن أغلب الإدارات لا يعطي الموظف الحرية الإيجابية ويعتبره تكلفة وعبئا على المؤسسة يتم الاستغناء عنه في أول فرصة متاحة، ويخشى من تطويره وتدريبه خوفا من عدم استمراره وقيامه بالانتقال إلى فرصة عمل أفضل؛ ولو كنا نتبع سياسة التطوير المستمر، بالإضافة للتحفيز عبر الإنتاجية والفعالية العالية للموظفين وإتباع نظام الحوافز المستمر والمكافأة، فسوف نحافظ على الموظفين. ويضيف بدر الدين إن الكون لا ينتهي في حال الخطأ في العمل، ولابد من تصحيح الأخطاء وتلافيها قبل تفاقمها كي لا تؤثر على جوانب العمل المختلفة، والسعي إلى التميز لأن المميز دائما يسعى للتميز، وعندما تعامل الإدارة موظفيها على أنهم فاعلون، فإنهم سيجتهدون للحفاظ على هذه الفاعلية عبر شعار “النجاح يتطلب تحقيق ما يتوقعه الآخرون والتميز وجوب إنجاز ما لا يتوقعونه”.
العلاج الناجع
ترى العديد من الدراسات أن الطريقة المثلى لاستثمار الكفاءات الفكرية والبشرية في سورية يجب أن تتم وفق ضوابط ومعايير دقيقة تمت تجربتها من قبل في دول عانت أو لم تعان من الحرب، مثل اليابان أو الإمارات العربية المتحدة اللتين احتلتا مواقع متقدمة في مجال الإدارة والاستثمار عبر استقطاب الخبراء المميزين في هذا المجال، لذلك يجب البدء بالتخطيط السليم وإيجاد استراتيجيات متعددة تتعلق بالأحوال العامة الآمنة والمضطربة والطارئة، والبناء عليها من خلال كفاءات وطنية مدربة، ولا ضير في الاستعانة بخبرات خارجية من دول صديقة مثل روسيا وإيران والصين للانطلاق من جديد، لأن مفرزات الأزمة السورية خلقت حالة فريدة في الإدارة اجتهد بعض الدارسين على تسميتها بإدارة الأزمات الكبرى، وإن هي أخفقت في أماكن فلا يمكن تجاهل النجاحات التي تم تحقيقها على بساطتها. وتجدر الإشارة هنا إلى حيثية مهمة تتعلق بإدارة الموارد البشرية والفكرية، وهي مكافحة الفساد والروتين والبيروقراطية للوصول إلى إعمار ناجح وقائم على أساس متين.
التحقيقات