مع صعود ثقافة “خليك بالبيت”.. السوريون غيّروا عاداتهم الاستهلاكية فهل نجحت أولى اختبارات التجارة والتسويق الإلكتروني؟!
بالتزامن مع عطلة “خليك بالبيت” التي فرضها ذاك الفيروس اللعين “كورونا”، تعالت الأصوات المطالبة لوزارة الاتصالات بإلغاء نظام الباقات أو تعديله، أو زيادة حجم الاستهلاك المسموح به، شريطة ألا يترافق ذلك مع زيادة في الأسعار، إضافة للمطالبة بتقوية الإنترنت وتسريعها ونشرها لتسفيد منها الشرائح الاجتماعية المختلفة.. وتؤشر هذه المطالب – فيما تؤشر – ليس لملء الفراغ وسد “فجوة” الجلوس بين حيطان أربعة وحسب، بل لاستكشاف استخدامات جديدة فرضتها الحاجة، وتمثلت في أهمية وإمكانية مزاولة الأعمال من غرف جلوسنا ونومنا، لنجد أنفسنا فجأة، ومن جديد، أمام إنعاش مفاهيم التجارة والتسويق والدفع الإلكتروني.. فهل من تعاط مختلف هذه المرة؟!
بيئة جديدة للعمل
بالنظر لعدم رغبته بالاستغناء عن عمالته المدربة والمحترفة، ولعدم تقبل فكرة صرف رواتب لموظفيه الجالسين في البيت، تنبه بعض رجال الأعمال إلى إمكانية خلق بيئة عمل جديدة ومتكيفة مع الظروف الاحترازية ذات الصلة بمنع انتشار “كورونا”. “لطالما يمكننا أن ننجز نصف أعمالنا إلكترونيا، فما الذي يمنع هؤلاء من العمل في بيوتهم لحين اتضاح الموقف على الأقل؟!”، يقول أحد رجال الأعمال الذين يرون في العطلة الإجبارية فرصة لمزاولة الأعمال من منظور مختلف قد يغير من الإستراتيجية الإدارية للشركة، حتى بعد انتهاء مخاطر هذا الفيروس!!
وقت.. وجمهور افتراضي
وفي الوقت الذي أرغمت فيه مخاطر انتشار كورونا قرابة مليار شخص حول العالم على البقاء في بيوتهم، أي واحد من كل سبعة أشخاص، فإن التقديرات التقريبية تشير إلى أن هناك مليون إلى مليون ونصف سوري في البيوت يقضون بين 2 إلى 3 ساعات يتصفحون خلالها الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ما يتيح لهم إمكانية العمل من هذه البيوت، سواء أكانوا موظفي قطاع عام أم خاص، كما يجعلهم جمهورا مفترضا ومستهدفا من الجهات الراغبة بتوجيه رسائل تسويقية لهم، وهي فرصة مثالية أتاحها هذا الوباء لتلك الجهات العاملة في التسويق الإلكتروني والراغبة بتوصيل الطلبات إلى المنازل، لا بل إنها فرصة قد لا تتكرر لاختبار كل التنظير والمقولات السابقة في مجال التجارة الإلكترونية، ورصد ردود فعل المتعاملين تجاه خدماتها.. ولو على نطاق ضيق!!
نشاط محدود جدا
وما زال قطاع الأعمال يمارس التجارة والتسويق الإلكترونيين على نحو خجول جدا، فمن خلال تتبع ومراقبة عينة من المواقع الإلكترونية وصفحات عدد من الشركات، يتبين أن هذين المفهومين مازالا شبه غائبين بالنسبة لإدارة هذه الشركات؛ وحتى تلك التي تبيع منتجات وتقدم خدمات ذات طلب عال وتتعلق بمخاطر كورونا (المواد الطبية والصيدلانية وبعض الغذائيات)، كان التركيز على البيع التقليدي والاتصال الشخصي أكثر من نظيره الإلكتروني.
في موازاة ذلك، حاولت بعض الأسواق التقليدية إيجاد حلول تتناسب والظروف المستجدة، فقد لجأت سوق الذهب للتعامل مع زبائنها إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تجري عمليات البيع عبر هذه الوسائل، وإحاطة جمعية الصاغة وصنع المجوهرات بمبيعات الصياغ اليومية، بعد أن أغلقت أبوابها ومكتب الدمغة – وفقا لما ذكر رئيس الجمعية غسان جزماتي – في وقت قفزت فيه أسعار المعدن الأصفر، مدفوعة بارتفاع سعر الأوقية (الأونصة) عالميا إلى مستويات غير مسبوقة، ليسجل الغرام عيار 21 قيراطا 53500 ليرة سورية، وعيار 18 قيراطا 45857 ليرة.
مزايا..
ويدعو مهندس المعلوماتية ومصمم المواقع الإلكترونية أحمد الشيخ قطاع الأعمال لإيلاء هذا النوع من التجارة أهمية خاصة، فهو أكثر جدوى اقتصادية وفنية من بناء الأسواق والمجمعات التجارية، كما أنه لا يحتاج تكاليف البناء والصيانة والتجهيزات الباهظة الثمن، ولا يتطلب لتشغيله جيشا من العاملين والإداريين والفنيين، فضلا عن توفيره لقاعدة بيانات تتيح استرجاع المعلومات، وتسهيل عمليات البيع والشراء، والسيطرة على المخزون ومعروضات الأرفف. وفي هذا الظرف الاستثنائي، يجنب الدفع الإلكتروني مخاطر الاحتكاك بين المتعاملين بالأوراق النقدية التي قد تكون “موبوءة”، فضلا عن غيرها من المزايا الكثيرة.
عن غياب البنية التحتية
لا يمكننا وضع معوقات تطبيق وتفعيل التجارة الإلكترونية كلها في مرمى قطاع الأعمال وحده، إذ لا بد من توافر بنية تحتية داعمة لهذا النوع من التجارة، وهنا نتحدث عن أجهزة الدفع ونقاط البيع والصرافات والشبكات وغيرها. وبالرغم من تكرار وتعدد المؤتمرات والملتقيات التي تناولت هذا الموضوع، وموضوع تسريع وتيرة الحكومة الإلكترونية بكل متطلباتها وتشعباتها، إلا أن الورقيات والمستندات والطوابع مازالت هي من يرسم ويحدد مسار المعاملات في الإدارات والقطاعات كلها.
تنظيم التسويق الإلكتروني
خطت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، العام الفائت، خطوة مهمة لتنظيم التسويق الإلكتروني، عندما أصدرت لائحة تنظيمية قضت بإلزام المواقع والصفحات والمجموعات الإلكترونية العاملة في التسويق والإعلان باستخراج سجل تجاري ينظم عمليات البيع والشراء الإلكترونية، وعرفت المادة الخامسة من اللائحة التسويق الإلكتروني بأنه أي نشاط يهدف للتعريف بعمليات البيع والشراء للسلع والخدمات باستخدام وسائط إلكترونية، ويشمل الأنشطة التجارية كافة. ويسهم مثل هذا التنظيم في تقنين الممارسة وتوصيف هذا القطاع.
عوائد كورونا.. إلكترونيا
تتوقع منظمة التعاون والتنمية نموا بطيئا للاقتصاد العالمي، خلال العام الجاري، سيكون الأسوأ منذ 2009، مقدرة نسبته بـ 2.4%، انخفاضا من 2.9% للعام الفائت، في وقت تراجعت فيه أسواق المال، التي عصف بها “الاثنين الأسود” في السادس عشر من الشهر الجاري، حيث أغلقت شاشات التداول على الأحمر في أغلب البورصات العالمية، ما منح التجارة الإلكترونية فرصا مثالية، لتوصيل السلع والخدمات إلى الناس في بيوتهم وأماكن سكناهم، وهو ما يفسر انتعاش مبيعات عملاقي التوزيع الأميركيين “وولمارت” و”آمازون”، والتطبيق الصيني “وي تشات”، أكبر منصات للدفع عبر الهاتف حول العالم، والتي يستخدمها قرابة مليار متعامل!
أحمد العمار