كورونا ونتائج العقوبات الأمريكية الظالمة
ترجمة وإعداد: هيفاء علي
في مواجهة أزمة صحية بهذا الحجم من الخطورة، كالتي يواجهها العالم اليوم، والمتمثلة بتفشي وباء كورونا، حيث من المحتمل أن تكون ملايين الأرواح معرضة للخطر، تقترح الفطرة السليمة للمنطق المهيمن تخصيص يوم راحة حيث لا تغلق الإمبراطورية أيام الأحد.
كانت الأيام السعيدة، عندما كان العالم قلقا بشأن خطر أن يبدأ ترامب حربا ضد إيران، أو ضراوة التوترات المصطنعة مع روسيا، أو الحرب التجارية المستعرة والحرب الدعائية ضد الصين، أو حتى نشوب حريق في كاليفورنيا أو أستراليا. لقد تمت الحيلولة دون القصف الأمريكي لإيران، لكن عقوبات واشنطن الاقتصادية المفروضة ظلما وجورا على الشعب الإيراني، والتي أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو عن تشديدها، تزيد آثار وتداعيات الوباء؛ إذ من المستحيل شراء الأدوية والمستلزمات الأساسية عندما تكون الآثار جارية، وينسحب هذا الأمر على كوبا وفنزويلا وكوريا الديمقراطية وسورية، وهي الدول التي تفرض عليها واشنطن عقوبات اقتصادية ظالمة، وعليه، فإن العقوبات إرهاب محض..
وبينما يتم فتح سجون كاليفورنيا تحسبا لانتشار العدوى، فإن مليوني شخص من الفلسطينيين في غزة – مع 60 وحدة للعناية المركزة للجميع و1.2 سرير لكل ألف نسمة، محاصرون ومحرمون من الإمدادات الأساسية من قبل سلطات الكيان الإسرائيلي.
المشهد في أوروبا استثنائي، ففي 4 آذار أعلنت ألمانيا حظرا على تصدير منتجات الحماية الطبية إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي. ورد وزير الصحة الألماني ينس سبان بعد ذلك بيومين على انتقادات بروكسل قائلا إن على الاتحاد الأوروبي حظر هذه الصادرات إلى خارج فضائه بدلا من الانتقاد. وردا على الفضيحة، قدمت ألمانيا بعض الاستثناءات القليلة، لكن تشير الأدلة إلى أن وكالتها الرئيسية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (معهد روبرت كوخ) تعمل على الحد من عدد الوفيات والمتضررين في البلاد.
في ظل هذه الظروف، طلبت إيطاليا مساعدة الصين وكوبا وفنزويلا، وهي الدول الخاضعة للعقوبات الأوروبية، بعدما خذلتها دول الاتحاد الأوربي ولم تستجب دولة واحدة لطلباتها، بحسب السفير الإيطالي لدى الاتحاد الأوروبي ماوريتسيو مساري. وبحسب صحيفة أوروبية، مثل “لاريبوبليكا”، فإن ألمانيا، التي تم تثبيتها في “منطق وطني” تجاه شركائها، “حطمت الأوهام الأخيرة” بشأن الاتحاد الأوروبي. واستشهد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بحظر التصدير الأوروبي في رسالة إلى شي جينغ بينغ بهذه الكلمات: “جاءنا الحظر من الأشخاص أنفسهم الذين علمونا أنه لا ينبغي لنا أن نشتري المنتجات الصينية”. في السجل الأوروبي، لا يوجد نقص في التقارير حول اليونان التي دمر نظامها الصحي بشكل خاص بسبب عدم المرونة الأوروبية.
في 12 آذار، أعلن ترامب حظر السفر في الولايات المتحدة لمواطني شنغن، ونددت بروكسل بهذا الإجراء باعتباره غباء شعبويا. بعد أربعة أيام، في 17 آذار، حظرت بروكسل السفر بين الدول غير الأوروبية والاتحاد الأوروبي مدة 30 يوما.
لقد أظهر الوباء الوجه الحقيقي للجميع وأسقط القناع. على سبيل المثال، قدم ترامب مليار دولار لشركة طبية ألمانية للاستخدام الحصري للعلاج المفترض للفيروس. في هذه الصورة الجماعية المخزية، تبدو الصين الأكثر فخرا. وكما استنكر أحد المعلقين في وول ستريت جورنال: “هناك دلائل على أن الصين تأمل في استخدام الأزمة لتعزيز موقعها العالمي”. ولخص مراقب آخر الوضع على النحو التالي: “من خلال عدم الاستجابة باستمرار للتهديد وإلقاء اللوم على الأجانب لانتشاره، حاصر ترامب الولايات المتحدة وقوض الدور المهيمن الذي تلعبه منذ الحرب العالمية الثانية. وحتى لو كان بايدن هو الرئيس المقبل، في عالم ما بعد الوباء، فستفقد الولايات المتحدة أسبقيتها بلا منازع”.
المعضلات والاستراتيجيات
بفضل سياسة الاحتواء الصارمة منذ البداية والتبادل المكثف للمعلومات مع بقية العالم، ساعدت الصين الغرب على الاستعداد، بمعنى أنها أعطته الوقت. لكن حقيقة أن مثل هذه السياسة الناجحة تم ممارستها أيضا في أماكن مثل تايوان أو كوريا الجنوبية يبطل حجة “الديكتاتورية” السخيفة. والفرق الذي يجب استكشافه يتعلق أكثر بالعقليات الجماعية وممارسات الحكم الرشيد وأولويات الحكومة.. لا يتعلق الأمر بالصين وحدها وإنما بـ “إستراتيجية شرق آسيا”.
مع ذلك، فقد أهدر الغرب وقتا ثمينا في التردد في تطبيق سياسة لم تكن في النهاية سياسة الحجز الصيني الصارم، ولا السيطرة العامة على أساس الاختبارات، بل تقييدا نسبيا للحركة. ويوما تلو آخر، تطالب الحكومات الأوروبية، في إيطاليا، في إسبانيا، في فرنسا، في النمسا.. بتمديد مؤقت لتدابيرها التقييدية التي يصفها العلماء بأنها غير كافية.
ويرتبط تردد الحكومات الغربية أيضا بالمعضلة الهائلة التي تفرضها هذه الأزمة: “لاحتواء الوباء، يجب قتل الاقتصاد”. إذا كان الأمر يستغرق أسبوعين أو أربعة أسابيع من راحة البال – كما اعتقدوا في البداية في الاتحاد الأوروبي – فإن الأمر خطير، ولكن إذا كانت ستة أسابيع أو بضعة أشهر، فإن ما تواجهه الحكومات هو الانهيار الاقتصادي مع انهيار قطاع الخدمات وانخفاض قيمة سوق الأسهم وتراجع الاستهلاك والصادرات.. وأخيرا فقدان ملايين الوظائف.
هذه هي المعضلة التي تواجه القادة الغربيين اليوم: إما أن نختار سباتا طويلا يحتوي الوباء لكن “الاقتصاد” سينهار، أو نختار القيود الناعمة الحالية مع وجود اقتصاد مأزوم وعدد وفيات كبير. حتى الآن، لا أحد يعرف بالتأكيد أي الخيارين هو الأكثر ضررا، لكن ما هو واضح هو أن الخيار الأول لا يمكن الأخذ به لدى أولئك الذين يمثلون مصالح الأغنياء سياسيا، لأن رأس المال لا يغلق الأحد أيضا.
بينما يوافق قادة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا على الأموال والمنح والخطب والمواقف الخاصة، مثل تلك التي صدرت من بوريس جونسون وميركل وترامب وبولسونارو، وغيرهم، فإنهم يشهدون على خيار “24 ساعة مفتوحة”: كل شيء ما عدا الانهيار الاقتصادي. وقد أظهر جونسون، ومعه الهولنديون والسويديون، “عدم التدخل” في مواجهة الوباء، بينما أظهرت ميركل بعضا من الإيمان بالقدر. كل هذا تمت حياكته باقتراح الداروينية الاجتماعية: دع القوي يبق على قيد الحياة، وثق في “الحصانة الجماعية”.. إلخ. في كلمتها الأخيرة، لم تقترح المستشارة الألمانية شيئا، ولم تتخذ أي إجراء: “أنا متأكدة تماما من أننا سنتغلب على هذه الأزمة، ولكن كم سيكون عدد الضحايا؟ كم من الأحبة سنخسر؟ قالت قبل أن تطالب “بانضباط الجميع”.
خيارات مثل إلغاء خطط إعادة تسليح الناتو (400 مليار دولار لـ 29 دولة عضو على مدى السنوات الأربع المقبلة)، أو زيادة بنسبة 20٪ في أجور أكثر المهنيين المعرضين لأضرار صحية، ومقدمي الخدمات، والبائعين، والسائقين، هي تدابير الفطرة السليمة التي يجب تضمينها في خطابات الجميع.
إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تلوح في الأفق ستشهد بالتأكيد فرصة أن الوباء يحتوي على إمكانيات معينة، لكن ما سيفتحه على المدى القصير، وبكل يقين، هو معاناة إنسانية هائلة، خاصة بين الأضعف والأفقر.