هل يعزز الوباء قدرة الاتحاد الأوروبي على إدارة أزماته الداخلية؟
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
منذ بداية تفشي المرض، اعتمد الاتحاد الأوروبي بعض تدابير الوقاية والاحتواء، بما في ذلك تفعيل آلية الاستجابة المتكاملة للأزمة السياسية وإنشاء لجنة تنسيق للأزمات، وتوجيه أموال الاتحاد الأوروبي للتخفيف من الأثر الناجم عن الوباء؛ كما استجابت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لأزمة الصحة العامة كل بطريقتها الخاصة، ومع ذلك فشلت هذه الخطوات في السيطرة على الوباء، ولايزال الفيروس القاتل ينتشر بسرعة في أوروبا، وهذا على الأرجح نتيجة لعدة عوامل:
أولا، استندت ردود فعل صناع السياسات – في الكتلة ككل، أو داخل العديد من الدول الأعضاء – إلى حد كبير، على خبرتهم السابقة في التعامل مع الأمراض المعدية الأخرى، وكانت الإجراءات متأخرة وغير فعالة بسبب عدم وعيهم لمدى عدوى الفيروس وسرعة انتشاره.
ثانيا، كانت الآليات التي وضعها الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأوروبية لمكافحة هذا الوباء معيبة، وتدل على الافتقار للخبرة في التعامل مع مثل هذه الأزمة الصحية؛ كما يمكن لقيادة الاتحاد تقديم المشورة للدول الأعضاء لكنها لا تستطيع إملاء الإجراءات التي ستتخذها، فلكل حكومة القدرة على تحديد كيفية التعامل مع تفشي المرض حسب سياساتها الوطنية وقدراتها الطبية؛ وذلك يعني أن التدابير التي اعتمدها أعضاء الاتحاد الأوروبي تختلف اختلافا كبيرا، وهو ما أثر على مكافحة أوروبا ككل للفيروس.
ثالثا، يعتبر الوباء اختبارا رئيسيا لتضامن أوروبا وقدرتها الإدارية في معالجة الوباء، ولكن للأسف سار كل بلد بطريقته الخاصة ليعتني بمصالحه فقط؛ وعندما أصبحت إيطاليا الدولة الأوروبية الأكثر تضررا، كان أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرون بطيئين في الاستجابة، وكانت الصين من أوائل الدول التي سارعت لمساعدتها؛ كما أغلقت دول عديدة من الاتحاد الأوروبي حدودها وقيّدت صادراتها حتى أنه كان لبعضها خلاف دبلوماسي على اللوازم الطبية.
رابعا، كانت عملية اتخاذ القرار في العديد من البلدان الأوروبية بطيئة بسبب كفاحها لتحقيق التوازن بين الإجراءات الصارمة والحريات العامة وسلطة حكومتها المركزية على السلطات المحلية، ولا تزال هناك فجوة بين تدابيرها وسرعة تطور الوباء.
سيكون للوباء آثار بعيدة المدى على الاتحاد الأوروبي والعلاقات بين الدول الأعضاء، ومن المرجح أن يعزز كل عضو في الاتحاد الأوروبي قوانينه وأنظمته الوطنية. وفي مكافحة الفيروس، تتأثر مصالح المواطنين الأوروبيين بشكل مباشر بسياسات دولهم وليس بالكتلة، ويتوقع المواطنون حماية أفضل من حكوماتهم في المستقبل ومن الممكن أن تشهد أوروبا صعودا أكبر للشعبوية والقومية.
لقد انخرطت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعمق في الاندماج الأوروبي، ومع مصالحها المتشابكة أصبح الفصل أمرا شبه مستحيل. وربما تجد الدول الأوروبية الأصغر صعوبة في التعامل مع أزمات مماثلة بمفردها، وستكون حريصة على التعاون الأوروبي في حين أن بعض البلدان قد تعزز قدراتها الفردية، وقد يدفع الوباء الاتحاد الأوروبي لإصلاحات، وربما التفكير في عيوبه وتعزيز آلية إدارة الأزمات.
على خلفية العولمة, شكل الوباء تحديا خطيرا لجميع البلدان، وقد يؤثر على فهم أوروبا للحكم العالمي والإقليمي؛ فالاتحاد الأوروبي تعاون بشكل جيد مع منظمة الصحة العالمية ومع الصين، بينما ازدادت النزاعات مع الولايات المتحدة التي طالما حددت الصين كتهديد وحاولت التصالح مع أوروبا لاحتوائه.
بعد انتهاء الجائحة، ستدرك أوروبا أن الصين لا تشكل أي خطر، وأن لدى الجانبين مجالا كبيرا للتعاون. وفي عصر العولمة هذا، قد تتحول التحديات التي يواجهها أحد البلدان إلى تحديات عالمية، وينبغي لجميع أعضاء المجتمع الدولي العمل بشكل وثيق على الفكرة التي اقترحتها الصين حول مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك.