العراق بين التهويل والابتزاز
سنان حسن
في وقت ينشغل العالم من أقصاه إلى أقصاه لوضع حد لانتشار وباء كورونا المستجد، تصر الإدارة الأمريكية وربيبتها “إسرائيل” على اللعب باستقرار المنطقة ومحاولة بعثرة أوراقها، في ظل رغبة جامحة من بعض القيادات السياسية والعسكرية للاستفادة من الظروف الراهنة لتحقيق مكاسب بالنار على امتداد الإقليم بأكمله. ولكن، هل هذه الرغبة مستندة إلى معلومات دقيقة في الميدان تمكّنها من تحقيق مرادها، أم أنها مجرد مغامرات مجنونة بغرض تعميم الفوضى لا أكثر؟ وماذا عن الطرف المقابل.. هل سيسلم بالتهويل الكبير الذي تمارسه أمريكا وحلفاؤها؟
لقد شكّلت الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة نقطة تحوّل مهمة في العلاقة بين بغداد وواشنطن، حيث عملت الأخيرة بشتى السبل لمنع الاستقرار في أرض الرافدين، فهي، أي واشنطن، لا تريد للقوى العراقية التي خرجت منتصرة في الحرب على “داعش” الإرهابي أن تبدأ عملية إعادة الإعمار السياسية والاقتصادية، لذا فقد عمدت إلى التضييق عليها بشتى الوسائل؛ ولعل في الحنق الأمريكي الكبير من الاتفاق الاقتصادي مع الصين، والذي بلغت قيمته 400 مليار دولار، ما يؤكّد ذلك. وأكثر من ذلك، فقد عمدت واشنطن إلى تأجيج الأجواء المشحونة على خلفية المظاهرات المطلبية، من خلال الاستهدافات المتكرّرة لمقرات الفصائل العراقية المقاومة عبر طيران مجهول، لتكون عملية اغتيال القادة الشهداء قرب مطار بغداد الدولي في بداية العام الجاري نقطة انعطاف تاريخية، بعد اتخاذ البرلمان العراقي قراراً بإخراج القوات الأجنبية المتواجدة على أرض العراق. ولكن بالرغم من كل ذلك فقد واصلت واشنطن ضغطها على بغداد تارة من خلال تقليص المدد الممنوحة للاستثناءات الممنوحة لاستيراد الغاز الإيراني، وتارة من باب التهويل عبر تسريب المخططات العسكرية لاستهداف فصائل ومقرات عراقية منضوية تحت راية الحكومة المركزية.
وعليه، فإن التصعيد الأمريكي على العراق يحمل منحيين رئيسيين: الأول، تفتيت الجبهة الداخلية العراقية ومنع القوى والأحزاب من الاتفاق على تشكيل حكومة، والإبقاء على الوضع مرتهنا للفوضى والتهويل، والثاني هو ابتزاز العراق ودفعه إلى تسديد فاتورة ضخمة مقابل الخروج أو تسليم بعض القواعد للجيش الأمريكي، حيث طلب ترامب علنا خمسة تريليونات دولار مقابل الخروج من العراق.. إذا، الغاية واحدة، سواء اقتصادية أم عسكرية، وهي تدمير العراق وضمان أن يكون تابعا للسياسة الأمريكية في المنطقة، ولكن هل نجحت واشنطن حتى الآن؟
لقد شكّل قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الأجنبية من البلاد صفعة كبيرة لآمال واشنطن في ديمومة البقاء لفترة أطول على أرض الرافدين، وإن كان بعض القوى لايزال يعرقل تنفيذه على أرض الواقع عبر تعطيل تشكيل الحكومة، كما أن القرار منح قوى المقاومة والحشد الشعبي هامشا لإعادة ترتيب أوراقها والاستعداد لمرحلة المقبلة في حال فشلت الجهود السياسية في تنفيذه، وما المناورة العسكرية التي نفذتها قوى المقاومة في جرف الصخر مؤخّرا إلا دليل واضح على مدى الاستعداد لمواجهة المحتل الأمريكي وإخراجه من العراق رغما عنه.
إن التهويل الذي رفعت واشنطن من منسوبه منذ بداية العام الجاري عبر اغتيال القادة الشهداء وليس انتهاءً بالكشف عن تحضير مخطط لاستهداف القوى الوطنية العراقية، لن يمنع هذه القوى من مواصلة طريق النصر الذي حققته عسكريا على “داعش” الإرهابي في الـ 2016، وسياسياً من بوابة الانتخابات البرلمانية في الـ 2018 ، فهي تدرك أن العدو بما يقوم به من أعمال ناجم عن تخبّط في قرارات إدارته، التي تسعى حالياً إلى التغطية على فشلها في التعامل مع خطر كورونا المستجد، الذي جعل من أمريكا أول دولة بالعالم في عدد المصابين بالوباء. ولعل في رفض وزير دفاعها مارك إسبر الذي كلف بالتخطيط لشن الحرب على العراق رسالة من قبطان حاملة الطائرات ثيودور روزفلت، يدعو فيها إلى إجلاء 4 آلاف بحار من الحاملة وعزلهم صحيا، ما يؤكّد ذلك.