“الميل الأخضر”.. صرخة في وجه العنصرية
“لم يكن الميل الأخضر هو طريق الموت من الزنزانة إلى حجرة الإعدام فقط، وإنما كان وقتنا الذي نمضيه بانتظار الموت”.
هذا ما توصل إليه باول- النجم توم هانكس- المشرف على تنفيذ حكم الإعدام في السجن المركزي في الفيلم العالمي الميل الأخضر إخراج فرانك دارابونت عن قصة ستيفن كينغ الذي حصل على جوائز عالمية، والذي تم اختياره ليعرض في بيت السينما في سينما الكندي ضمن فعاليات المؤسسة العامة للسينما.
يعد الميل الأخضر صرخة في وجه التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية الذي ينسحب إلى ارتكاب جرائم تنسب إلى الزنوج الأبرياء في حين يرتكبها البيض، لتكون الجريمة خطوة في طريق الشر الموجود في كل العالم كما قال بطل الفيلم الزنجي جون كوفي- مايكل كلارك دانكن- الذي أعدم بذنب جريمة لم يرتكبها” ما يحدث هنا يحدث في كل العالم، ولم أعد أحتمل وجود الناس القبيحين “المفردات التي تحمل رسالة الفيلم التي أراد المخرج إيصالها عبْر هذا الفيلم الطويل الذي اعتمد على الفلاش باك، فبدأ بمشهد النهاية ليعود إليه المخرج ومرر خلاله مشهداً صغيراً بدا لامعنى له ضمن الأحداث التي تكشف ارتباطه بالحدث الفعلي وبالحقيقة المتمثلة بالإنسانية والمسالمة التي لا ترتبط بلون أو مكان أو زمن.
من دار المسنين حينما يمضي الرجل المسن باول إلى جولته الصباحية في الغابة يتوقف عند الكوخ، وقبل ذهابه يتدخل النادل الزنجي ليقول له”انتبه ربما تسقط على الأرض وتتحطم” ويضعنا المخرج إزاء تساؤل غريب لماذا يحملق باول في عيني النادل؟ وماذا يقرأ في نظرته؟ ليرتبط هذا المشهد بالمشهد الليلي حينما يجتمع المسنون ويتابعون أحد الأفلام وتتوقف الكاميرا عند المشهد العاطفي والرقصة الحميمة بين الحبيبين وترديده لها”أنا في الجنة” هذا المشهد أثار باول فخرج منتفضاً وتلحق به صديقته في دار المسنين، ليعود باول إلى ستين سنة خلت من 1995 إلى عام 1935 ويسرد حكاية الفيلم فتنتقل الكاميرا إلى أروقة السجن وإلى باول الشاب المشرف على تنفيذ حكم الإعدام مع مساعديه ورئيسه.
الإيحاءات بالجريمة
تدور الأحداث بزمن قصير هو الأيام القليلة التي يمضيها السجناء قبل تنفيذ حكم الإعدام في فترة الكساد التي تكرر ذكرها بالفيلم والتي تدل على الأوضاع السياسية والاقتصادية التي عاشتها أمريكا آنذاك. ومنذ اللحظات الأولى يستغرب باول ورفاقه سلوكيات جون السجين البريء المسالم الذي يبكي ويخاف من الظلام، ليكتشفوا جميعاً براءته من الجريمة المنسبة إليه باغتصاب الفتاتين ثم قتلهما، ليجتمع بالسجن الرجل الأبله ديل واليافع المشاغب الذي يثير المشاكل باريتون والذي تبيّن من خلال كاميرا المخرج أنه هو القاتل الحقيقي لكن لم يعرف هذا السر إلا جون.
يعتمد المخرج على المفارقة لتحليل شخصية جون الضعيف العاطفي عكس ضخامة جسده والذي يمتلك طاقة وقوة روحية خارقة بلجوئه إلى المسيح وتمثل أقواله، ليركز المخرج على طاقة جون بشفاء باول من حصوة المثانة، لتكون بداية لتنفيذ العملية السرية التي يقوم بها باول ومساعدوه بإخراج جون في عتمة الليل من السجن وذهابهم إلى منزل رئيس باول هال لمساعدة مانيليدا زوجته التي تعاني من ورم خبيث بالمخ، ويتمكن جون بطاقته الروحية امتصاص الألم لكن يبقيه بداخله مما يستدعي سؤال باول”لماذا لم تلفظه” ويأتي الجواب حينما يعود جون إلى السجن ويهجم على الحارس الشرير-بيرسي- الذي يعامل السجناء بقسوة فيفقد عقله ويقتل المجرم الحقيقي بإطلاق الرصاص عليه وبذلك يكون انتقم جون من المجرم الحقيقي الذي ردد بمشهد سابق”لا يمكن إعدام الرجل الأبيض على الكرسي الكهربائي ذاته الذي يعدم عليه الزنجي”.
لم يكشف المخرج على تفاصيل الجريمة وكيف اتهم جون وفشل المحامي بإيجاد دليل براءته، وإنما اعتمد على الإيحاء بالعودة إلى الفلاش باك بدخول اليافع الأبيض الذي يعمل بحديقة العائلة بتقليم الأشجار ويحمل الساطور، بدخوله ليلاً إلى غرفة الفتاتين وتهديده بالقتل إذا صرختا، لنرى جون يبكي وسط الفتاتين بالحديقة ويردد”كنت أريد إنقاذهما لكن الوقت فات” ويترك للمشاهدين تفسير التفاصيل وتخيّلها.
الرقصة العاطفية
يظهر المخرج إنسانية باول للفصل بين الإحساس الإنساني للمواطن الأمريكي والحكومة، حينما يحاول إثبات براءة جون ويطلب منه مساعدته لكشف الحقيقة لكن جون يرفض لوصوله إلى مرحلة اليأس من الشر الموجود.. وربما للتضحية بنفسه ليكون مثالاً على الظلم. ويستوقفنا الطلب الأخير الذي يطلبه جون بالليلة الأخيرة قبل إعدامه برؤية فيلم للرقص الاستعراضي وتتوقف الكاميرا عند المشهد العاطفي ذاته الذي بدأ به الفيلم ولم يتمالك باول نفسه حينما رآه في دار المسنين والذي كان الشرارة التي جعلته يروي الأحداث، ليفسر أيضاً حضور النادل الزنجي الذي ذكره بجون.
والمشهد الإنساني المؤثر الذي يفوق الوصف كان بإعدام جون البريء وتعاطف الحراس معه وانهيار باول وتكرار مشهد المصافحة بين باول وجون برمزية إلى التلاقي والتعايش بعيداً عن العنصرية، ومن المشهد المؤثر تعود الكاميرا إلى الزمن الفعلي للفيلم إلى دار المسنين حينما يخبر باول الذي ماتت زوجته وابنه وهو ينتظر الموت صديقته بأنه بعد إعدام جون لم يعد قادراً على الإشراف على تنفيذ حكم الإعدام وانتقل إلى مصلحة الأحداث.
ملده شويكاني