النتائج الجيوسياسية لـ “كورونا”
علي اليوسف
سيكون وباء كورونا المنصة الجديدة للتغييرات الشاقولية على كافة المستويات والتي على أساسها سيتم إعادة تشكيل النظام العالمي، بمعنى أن الآثار الاقتصادية للانهيار في النمو بسبب العزل الصحي وتعطيل عمل الحكومات، وقدرتها على تأمين المتطلبات الصحيّة لشعوبها، ثم قدرتها على دعم متطلبات شعوب العالم، هي التي ستحدد من يستحق أن يقود نفسه والعالم في العقود المقبلة، وهذا هو تحدي لحظة الحقيقة بين واشنطن وبكين.
حالياً تحظى الصين باحترام العالم في الوقت الذي تفشل فيه الولايات المتحدة مع تحول الوباء إلى حدث عالمي. وهنا لا شك أن النتائج الجيوسياسية ستأخذ أهمية كبيرة على المدى الطويل، خاصة بالنسبة للوضع الدولي للولايات المتحدة. وهناك تصورات تقول أنه في بداية الأمر ستبدأ النظم العالمية للميل إلى التغيير التدريجي، ثم إلى التغيير الكامل في لحظة واحدة، لأن واشنطن لم ترتق لمستوى التحدي الراهن، وبالتالي فإن وباء كورونا سيسجل “لحظة مشابهة للحظة انتهاء الإمبراطورية البريطانية في حرب السويس 1956″، بحسب ما قالته “الفورن أفيرز”
حتى الآن فشلت واشنطن في استجابتها الأولية للوباء، فالمؤسسات الأميركية من البيت الأبيض ووزارة الخارجية إلى وزارة الأمن الداخلي ومراكز السيطرة والوقاية من الأمراض قد هددت ثقة الناس بقدرة وكفاءة الحكم الأميركي، وزرعت الشكوك وعدم اليقين في عامة الناس بأن القطاعين العام والخاص أثبتا أنهما غير مستعدين لمواجهة الوباء بالمعدات الضرورية للفحص وما بعد الفحص.
وهذا يبن أن وضع الولايات المتحدة كقائدة للعالم خلال العقود السبعة الماضية بني ليس على الثروة والقوة فقط، بل أيضاً على جودة الحكم الأميركي، وتسهيل تزويد العالم باحتياجاته، والقدرة والرغبة في حشد وتنسيق الاستجابات الدولية للأزمات، وإن وباء كورونا اختبر العوامل الثلاثة سابقة الذكر للقيادة الأميركية، وحتى اليوم فشلت واشنطن في الاختبار.
وبإجراء مقارنة بين أداء أميركا بأداء الصين يظهرها “فاشلة” تجاه الوباء، فالأخيرة تحركت بسرعة لتستفيد من الثغرات التي صنعتها الأخطاء الأميركية وتملأ الفراغ وتضع نفسها في قيادة العالم لمواجهة كورونا، وهذا النجاح الصيني في السيطرة على كورونا فرض الاعتراف العالمي بأنها الأقدر والأكفأ على تجاوز الكارثة التي وصفها البعض بـ “تشيرنوبل” جديدة.
وعندما لم تستجب أي دولة أوروبية لنداء إيطاليا العاجل بشأن المعدات الطبية ومعدات الحماية، التزمت الصين علناً بإرسال الآلاف من أجهزة التنفس الصناعي وملايين الأقنعة وآلاف البدل الواقية وأجهزة الاختبار، وأرسلت فرقاً طبية وأجهزة ومعدات مماثلة لإيران وصربيا. كما تعهد رجل الأعمال الملياردير الصيني “جاك ما” المؤسس لمتجر علي بابا بإرسال كميات كبيرة من الأقنعة وأجهزة الاختبار للولايات المتحدة ولجميع الدول الأفريقية.
في مقابل ذلك وقفت الولايات المتحدة على النقيض من الصين، فهي تفتقر للمعدات والقدرة على تلبية العديد من مطالبها، ناهيك عن تقديم المساعدة لمناطق الأزمات في أماكن أخرى، حتى أن صورة الوضع الأميركي قاتمة، فالمخزون الوطني الإستراتيجي الأميركي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحرجة، يحتوي على 1% فقط من الأقنعة وأجهزة التنفس وربما 10% من أجهزة التهوية اللازمة للتعامل مع الوباء.
ما يعني إن العناصر الرئيسة لنجاح الصين في الحصول على قيادة العالم في مواجهة كورونا هي القصور الأميركي والتركيز الداخلي للسياسة. وبالتالي، فإن النجاح النهائي لمسعى الصين سيعتمد بقدر كبير على ما سيحدث في واشنطن كما يعتمد على ما سيحدث في بكين. فالصين تعمل حالياً على تحويل هذا النجاح إلى قصة تحكيها للعالم بأجمعه وتقنعه بأنها لاعب رئيسي في هزيمة كورونا.