تحقيقات

إحياء اليوم العالمي للتوحد.. ودعوة لمشاركة المصابين في الحياة الاقتصادية والمجتمعية

أحيا العالم يوم الخميس 2 نيسان اليوم العالمي للتوحد، الذي يأتي هذا العام ودول العالم باتت في شبه عزلة عن بعضها لمواجهة فايروس كورونا المستجد، تلك العزلة التي ربما تشابه الحالة التي يميل إليها معظم مصابي متلازمة التوحد حيث يميلون إلى العزلة والانطواء، فالتوحد هو حالة عصبية تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لكنها لا تعني توقف الحياة بالنسبة للمصابين به أو الإحجام عن المشاركة في بناء المجتمع والإسهام في تطوره، إلا أن كثيرين من المصابين نجحوا في حياتهم، واشتهروا في مجالات علمية وفنية واقتصادية.

جزء من المجتمع
ومن الجدير بالذكر أن احتفالية هذا العام 2020 ركزت على موضوع “الانتقال إلى مرحلة البلوغ “، والانتباه إلى القضايا ذات الأهمية المتعلقة بالانتقال، وبحسب منظمة الصحة العالمية فمن المهم مشاركة مرضى التوحد في تقرير المصير المجتمعي واتخاذ القرار، والحصول على التعليم بعد الثانوي والعمل، والعيش المستقل. إن كونك شخصاُ بالغاُ يعني عادة أن تصبح مشاركاً كاملاً ومتساوياً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعك. ومع ذلك ، لا يزال الانتقال إلى مرحلة البلوغ يمثل تحدياً كبيراً للأشخاص المصابين بالتوحد بسبب نقص الفرص والدعم المخصص لهذه المرحلة من حياتهم. ونتيجة لذلك ، فإن إنهاء الدراسة الثانوية، وتوقف الدعم عن مرضى التوحد، غالباً ما يشبه “السقوط في الهاوية”. لذا يلفت احتفال هذا العام إلي الانتباه إلى الحاجة إلى برامج مبتكرة مصممة لدعم الشباب المصابين بالتوحد للانتقال إلى مرحلة البلوغ ، وليصبحوا مشاركين كاملين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ، سواء كعوامل للتغيير أو كمستفيدين. وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2007 بالإجماع يوم 2 أبريل بوصفه اليوم العالمي للتوعية باضطراب التوحد (القرار 139/62) لتسليط الضوء على الحاجة للمساعدة على تحسين نوعية حياة الذين يعانون من التوحد حتى يتمكنوا من العيش حياة كاملة وذات مغزى كجزء لا يتجزأ من المجتمع.
غياب الإحصائيات
لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الأطفال السوريين المصابين بالتوحد، إلا أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن طفلًا واحدًا من بين كل 160 طفلًا يصاب بأحد اضطرابات طيف التوحد في العالم، ويعرف “الأوتيزم” أو التوحد بوصفه نوعا من الإعاقات التطورية والتي تحصل بسبب عطب معين في الجهاز العصبي المركزي، وتؤدي إلى الانعزال وتأخر أو تراجع في المهارات اللغوية والاجتماعية، وعدم المقدرة على التكيف مع العالم المحيط . متخصصون في علم النفس يؤكدون أن طفل التوحد، نظراً لعالمه الموجود فيه، لا يشفى، بل يتحسن وفق الإعاقة المترافقة، وتتوزع من البسيطة إلى المتوسطة الشديدة، والشديدة جداً حيث يوجد تباين كبير بين طفل توحد وآخر، كل طفل توحد لديه خصائص في حالته، لكنهم جميعاً يتوحدون في حالة اضطراب التوحد، فنلاحظ قصوراً في التواصل اللفظي وغير اللفظي لديهم، والدراسات تؤكد أن 50٪ من أطفال التوحد لا يتكلمون غالباً، لديهم صدى صوتي آني، أو صدى صوتي مؤجل، والمشكلة ليست في النطق بل في الإدراك . أيضاً بعض الدراسات، فسرت اضطراب التوحد على أنه جيني له علاقة بالوراثة وأسباب أخرى كالاضطرابات الغذائية، ويؤكد الباحثون أن ما هو صحيح لدى البعض من أطفال التوحد، غير صحيح لدى البعض الآخر، في حين أن أهم ما يمكن تقديمه لطفل التوحد، هو التدخل المبكر في التدريب حسب حالته، وللأسرة دور كبير وأيضاً المجتمع، وذلك في تقبله على أنه شخص ترافقه حالته مدى الحياة، وهو بحاجة إلى دعم، إذ لا يوجد أي تعداد دقيق وواضح للتوحد منذ اكتشافه عام 1943، وفي سورية، يحسب التوحد حسب حالة الولادة كنسبة، والدراسات مكلفة في هذا المجال، ولا يوجد عدد كاف من الأخصائيين في سورية رغم اهتمام بعض الجمعيات والمراكز بمرضى التوحد مثل الجمعية السورية للتوحد التي تأسست في العام 2006، وجمعية آمال التي افتتحت بتوجيه من السيدة الأولى أسماء الأسد وجمعيات أخرى مثل جمعية المجد في طرطوس التي تعنى بمرضى التوحد، وذوي الاحتياجات الخاصة.
تعامل حذر
ويبدو التعامل مع المصابين بمتلازمة التوحد على مستوى عال من الحساسية والدقة ويتطلب الحذر عند عملية الدمج في المدرسة لدقة وحساسية حالة طفل التوحد، إلا أنه هناك دعوة خاصة من المدارس مفتوحة، ولكن الخشية على طفل التوحد، لأنه وبحسب المختصين يحتاج إلى أستاذ معه «ما يُعرف بمعلم ظل» ويحتاج لوقت أطول في المعرفة، والأطفال الطبيعيون ليس لهم ذنب بتحمل ردود أفعاله، فعلينا أن نحترمهم، والدمج لا يكون في المدارس فقط، بل في الحديقة والشارع، كما أن عملية الدمج لا تكون من طرف واحد فقط، بل أيضاً دمج الآخرين والمجتمع مع طفل التوحد والتعرف عليه والتقرب منه، ويؤكد المختصون أن هناك مؤشرات مختلفة يحتمل أن تنبئ بحدوث التوحد عند الطفل قبل عمر الثلاث سنوات مثل عدم النظر في عيون الآخرين، وعدم الانزعاج عندما يترك وحيداً، والتحديق في الفضاء أو سقف البيت، والإصرار على تناول أطعمة معينة فقط، والارتخاء أو التشنج عند حمله، وعدم الاستجابة للمناداة باسمه، وعدم الإشارة باليد إلى ما يريد، وترديد بعض الكلمات أو العبارات دون مناسبة، حركات نمطية (أرجحة الجسم، الدوران حول النفس، تدوير الأشياء)، عدم توفر اللعب التخيلي (اللعب بعصا كأنها سيف، أو الركوب على وسادة كأنها حصان). ومن الجدير بالذكر أن الإصابة باضطرابات التوحد لم تكن عبر الزمن عائقا أمام عظماء كثر حول العالم منهم عالم الفيزياء الشهير أينشتاين والمليونير الأمريكي بيل غيتس وغيرهم ممن تجاوزوا العزلة ونجحوا في حياتهم، واشتهروا في مجالات علمية وفنية واقتصادية.

محمد محمود