ثقافةصحيفة البعث

مروان محفوظ في دمشق: أفتقد عيسى أيوب وسهيل عرفة!!

 

لم ينقطع الفنان مروان محفوظ عن زيارة سورية، وكان معها حتى في ذروة الحرب، يقاسمها أفراحها وأتراحها، تربطه علاقة قوية بها، فهي كانت شاهدة على بداياته، ومرافقة له في كل نجاحاته، وظلت ذاك الحضن الدافئ لحنجرته، يلوذ بها ليطلق بعضا من أغنياته من خلال استوديوهات إذاعتها، لذلك كان من الطبيعي أن يكون أول المشاركين في احتفالية “الثقافة تجدد انتصارها” من خلال أمسية غنائية كان من المفترض أن يحييها بمشاركة أوركسترا الموسيقا الشرقية بقيادة الفنان نزيه أسعد في دار الأوبرا، والتي تأجلت نتيجة الظروف المتعلقة بالإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا.

الجمهور السوري ذوّاق

وأشار المطرب مروان محفوظ في حوار كانت “البعث” قد أجرته معه إلى أن هذه الأمسية كانت ستركّز على الأغاني الوطنية والمواويل وأغانيه التي أحبها الجمهور، إلى جانب أغانٍ أخرى ليست جديدة ولكنه كان سيغنيها لأول مرة على المسرح، مبينا أن علاقته مع الجمهور السوري علاقة قديمة تقوم على الحب والاحترام المتبادل، وأن الجمهور السوري أصيل وحقيقي وذواق ولم يتغير على مرّ السنين، موضحا أن لديه مجموعة من الأغاني التي لم يغنّها ولم يسجلها ومازالت حبيسة الأدراج لملحنين كبار أمثال: فيلمون وهبي، وديع الصافي، إيلي شويري، إضافة إلى وجود أغانٍ لا تصلح للحفلات ومكانها الإذاعة، مع تأكيده أن بثّها عبر الإذاعة لا يجعلها تصل بسرعة إلى الجمهور، عكس الأغاني التي يغنيها على خشبة المسرح، منوها إلى أنه اعتاد في سنواته الأخيرة على تسجيل أغنياته في استوديوهات الإذاعة السورية التي سجل فيها في سنوات الحرب على سورية مجموعة من الأغاني الوطنية بالتعاون مع الفنان مثنى العلي والمايسترو أسعد خوري مثل أغنية “أقواس النصر بتصيح”.

المنقذ الحضاري

ويبيّن محفوظ أنه وفي زمن العولمة والانفتاح وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة وانتشار محطات تلفزيونية لا حصر لها، لا بد لمن يطل من خلالها أن تكون لديه إمكانيات مادية كبيرة ليظهر في زحمة كل ما تَقدَّمه.. من هنا فإن إنتاج الأغنية برأيه مكلف جدا في ظل عدم وجود جهات إنتاجية تتبنى ما يقدمه بعض الفنانين الذين يغردون خارج سرب السوق الاستهلاكية، وهو غير قادر ماديا على فعل ذلك، لتبقى الإذاعة السورية المنقذ الحضاري المتبقي لأمثاله، إلى جانب التلفزيون السوري، فمن خلالهما يحاول تقديم مجموعة من أغنياته بين فترة وأخرى.

زمن التراجع

وعن عصر الغناء الحالي يؤكد مروان محفوظ أن أجمل وصف لهذا العصر سمعه من الفنان سهيل عرفة قبل رحيله حين قال: “هذا الزمن زمن التراجع الفني”. ووصف محفوظ، الذي ينتمي لعصر العمالقة، أن هذا الانحدار على الصعيد الفني أمر طبيعي لأن لكل عصرٍ زمانه ورجاله، وهو ليس بالجديد، فمنذ عصر أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب كانت هناك أغانٍ هابطة دون المستوى، ولكن ما يميز عصرنا الحالي هو أن الانحدار فيه يسير بسرعة الصاروخ، في حين أن صناعة الكبار تحتاج إلى سنوات طويلة، وبالتالي يجب أن ننتظر حتى يعود هؤلاء إلى المشهد الفني والثقافي.

الفن هوايتي

وبالعودة إلى بداياته يقول مروان محفوظ أنه انتقل من بلدته المريجات إلى العاصمة بيروت ليدرس الغناء والموسيقا في المعهد الموسيقي، وليشارك بعدها في برنامج “الفن هوايتي” الذي كان يُعرَض في تلفزيون لبنان والذي كان الانطلاقة الحقيقية له باتجاه عالم النجومية بعد أن غنّى فيه عدة أغانٍ لوديع الصافي، فلفتت حنجرته الذهبية انتباه الأخوين رحباني اللذين استدعياه وضماه إلى فرقتهما، ليشارك في أول عمل مسرحي له معهما “دواليب الهوا” في بعلبك عام 1965 إلى جانب نصري شمس الدين وصباح، وليشارك بعدها في كل المسرحيات التي قدمها الرحابنة حتى العام 1973، مثل: هالة والملك – يعيش يعيش – أيام فخر الدين – صح النوم – المحطة – الشخص، منوها إلى أنه عمل أيضا بين العامين 1969 و1973 في بيت الدين في المسرحيات التي ألّفها إلياس الرحباني وإيلي شويري وأخرجها ريمون حداد، إلى جانب وديع الصافي ونصري شمس الدين وملحم بركات مثل: أيام صيف – وادي الفرار – مدينة الفرح.

النقلة النوعية

ويؤكد الفنان مروان محفوظ أنه حين عمل مع الأخوين رحباني كان ومن معه مجرد مساعدين لفيروز وكان هذا فخرا وشرفا كبيرا لهم، لذلك شكّل تعاونه مع زياد الرحباني نقلة نوعية في مسيرته الفنية لأنه قدم له مجموعة من الأغنيات الخالدة في مسرحية “سهرية” التي حُفرت في ذاكرة الجمهور العربي مثل “يا سيف ع الأعدا طايل”، و”خايف كون عشقتك وحبيتك”، و”يم الشال الليموني”, كما رد محفوظ حول مدى صحة ما يقال من ـن أغنية “سألوني الناس” تأليف وألحان زياد الرحباني – والتي غنتها فيروز – كانت له في البداية لكن بكلمات مختلفة، بالتأكيد أن المعلومة صحيحة، حيث قدم له زياد هذه الأغنية، وحين سمعتها فيروز أُعجبت بها، وحين عرف محفوظ بذلك وافق دون تردد ومن قلبه على أن تغنيها فيروز، وحينها وعده زياد بتقديم ما هو أجمل منها، وصدق في وعده.

ثلاثي فني

شَكَّل مروان محفوظ ثلاثيا فنيا مع الشاعر عيسى أيوب والملحن سهيل عرفة، ونتج عن هذه الشراكة خمسون عملا عاطفيا واجتماعيا ووطنيا، موضحا أن هذه الشراكة كانت محطة أخرى هامة في مسيرته الغنائية أنجز خلالها مجموعة من الأغاني كان قوامها المحبة والتآلف والانسجام بين هذا الثلاثي الذي كان فيه الجميع يتشاور ويتحاور ليتم في النهاية اختيار أفضل الكلمات والألحان، لذلك حققت أغاني هذا الثلاثي نجاحا كبيرا لدى الجمهور في الوطن العربي مثل: كيف حوالكم – جبل مع جبل – ودّي المراكب ع المينا – دوري يا نسور، مؤكدا أن هذه الأغاني بقيت في الذاكرة لأنها شُغِلَت بصدق ومحبة، مشيرا إلى أنه يفتقد اليوم لمثل هذا الثلاثي، وبات من الصعوبة بمكان اختيار كلمات مناسبة وألحان جميلة تُصاغ بمحبة، ولهذا قد يمر وقت طويل ولا يُقَدم شيئا جديدا، مع تأكيده أنه في حالة بحث دائم عن فكرة جميلة مصاغة شعريا بشكل جيد بغض النظر إن كانت لاسم معروف أو غير معروف.

مسرح مكلف

يرى مروان محفوظ أن المسرح الغنائي بدأ مع الرحابنة وغاب بغيابهم لأنه مسرح مكلف جدا ويحتاج لكتّاب وملحّنين ومطربين مبدعين على المسرح، وكذلك يحتاج إلى وقت طويل من البروفات، حيث كان الرحابنة يستمرون ببروفات مسرحياتهم لأربعة أشهر ليتم في النهاية تقديم مسرحية دون أخطاء، حيث الغلط مع الأخوين رحباني مرفوض وممنوع. والمؤسف – برأيه – أن هذه العقلية والآلية في العمل في عصرنا الحالي عصر السرعة والاستهلاك قد اختفت، مؤكدا أن الأغاني التي تستمر وتبقى في الذاكرة وتؤثر في الجمهور هي الأغاني المشغولة بعناية، سواء على صعيد الكلمة أو اللحن أو الأداء وهي عناصر أساسية يجب أن تتوفر في أية أغنية ناجحة، منوها إلى أن معظم الفنانين العرب قدَّموا أغاني وطنية، ولكن عظمة الأخوين الرحباني كانت في إنجاز “زهرة المدائن” التي مازالت حتى اليوم من أهم الأعمال الحية لأنها قُدّمَت بشكل مدروس وبكلمات حقيقية وصادقة: “الكلمة التي تخرج من القلب تصل إلى القلب”.

وعن رأيه ببرامج الهواة وهو الذي انطلق من أحدها يشير محفوظ إلى أن هذه البرامج كثرت بشكل كبير بحيث أصبحت تصدّر وتروّج لأصوات قد لا تستحق أحيانا، في حين أن هذه البرامج في السابق كانت قليلة وكانت تُخرّج بين 3 إلى 5 مطربين فقط، أما اليوم فقد أصبح كل برنامج يُخَرّج عددا كبيرا من هؤلاء، علما أن صناعة المواهب تحتاج إلى سنوات طويلة وليس إلى برامج كثيرة تقوم بتقديم مغنّين لا عدّ لهم، لذلك فإن النتائج الفنية ليست بالمستوى المطلوب.

أمينة عباس