حراس العتبة في الحكايات الطفولية
لكل حكاية وقصة للأطفال نقاط ارتكاز رئيسة تُبنى عليها الحبكة ويُدفع الحوار والأحداث نحو العمق من خلال ترتيبها المتقن زمنيا، ولعلّ من أهمها ذلك العالم الخاص المجهول بالنسبة لنا، المليء بكل ما يثير الدهشة من السحر والتشويق وإثارة الغموض في مكامن النفس. ولا بد للبطل دائما وأبدا من اقتحام هذا العالم الفريد المليء بالأسئلة والمعجزات والمحفزات الروحية. وككل العوالم الخاصة والسحرية في الحكايات الطفولية على مر عصور تطور الحكاية، كان هناك حرّاس لعتبة هذا العالم، يقفون بكل بهاء وجلال وقوة وجبروت أمام الباب الكبير، غيلان أو سحرة أو أقزام أو مخلوقات مسحورة غريبة الأشكال والأطوار، يذودون عن هذه العتبة بكل ما أوتوا من قوة وبطش ومكر وسحر، يمنعون الوافدين نحو عالمهم من الولوج إلى بطن الحوت وأرض الكنز ومنجم الأعطيات وسجن الأميرة المأسورة.
لحظة اللقاء في كل الحكايات بين البطل وحراس العتبة تكون أولى العقد التي تتميز بها حبكة حكاية عن حكاية أخرى، هنا النقطة الأولى لذروات الصراع بين البطل وباقي عناصر حكايته، سيكون أمام أول المفارقات وأول المخاطر وأول المجابهات التي سيتعرض لها باقي لحظات حكايته ورحلته البطولية الخاصة، ولا بد من التغلب عليهم للولوج إلى عالمهم السري واجتياز العتبة.
كيف يتحقق ذلك؟
الصراع مع حراس العتبة يأخذ طريقه إلى ذهن المتلقي بحسب الذائقة الأدبية والطريقة الخاصة بمخيلة الكاتب وأسلوبه في كتابة الحبكة.
يمكن أن يكون اللقاء صراعا وصداما داميا تتجلى فيه كل ملامح القوة الجسدية والعضلية، ويمكن أن يكون صراعا فكريا ناعما يعتمد على أسلوب الحوار والذكاء وتحكيم العقل وحل الألغاز والأحجيات المقدمة من قبلهم لاختبار بطلنا، ويمكن أيضا وفي حالات كثيرة أن يكون تمهيدا لتعاطف حراس العتبة مع البطل.
بهذا التلون اللا منتهي من الأنماط يمكن التنويع في طرح اللقاء بين بطل حكايتنا الخاصة مع حراس العتبة، ما يضفي على الحكاية لمسة سحرية خاصة تعتبر بنظر الكثير من النقاد أهم مميزات الأسلوب الأدبي في القص وكتابة الحكاية.
– نزلت الآلهة عشتار مرتدية تاجا نفيسا وملابس فاخرة، ومتزينة بكل حليّها الذهبيّة وجواهرها، ومتسلحة بكافة أسلحتها إلى العالم السفلي، حيث تقيم أختها الحاقدة أرشكيجال، وكان للعالم السفلي سبعة أبواب، على كل باب هناك حراس يعملون لصالح أرشكيجال، وحين وصلت عشتار إليهم قاموا بانتزاع كل ما ترتديه تباعا، حتى بقيت بدون أسلحة أو ألبسة أو زينة.. هنا انقض سبعة آلهة مع أرشكيجال على عشتار وقاموا بقتلها فورا.
– سيربيروس في الأساطير اليونانية هو كلب حراسة متوحش ودموي ذو ثلاثة رؤوس يقوم بحراسة بوابة العالم السفلي “مثوى الأموات”، وشعر عنقه وذنبه يتألف من أفاعي سامة، وهو الذي يتصدى له هرقل قبل الولوج في العالم السفلي لمواجهة هاديس، فيغريه بالأضحيات واللحوم حتى يصبح الكلب طوع بنان هرقل وخادما وفيا لرغباته.
– خيمبابا كان حارسا لغابات الأرز، مكلفا بحراستها ومنع الاقتراب منها، تصفه الأسطورة فتقول عنه: “هو إنسان عملاق يظهر بمخالب أسد وشعر طويل ووجه متوحش مشعر، عندما ينظر إلى أحدهم بعينيه يقتله في الحال”.
لنجعل قصص أطفالنا مليئة بنماذج عن حراس العتبة وغنية بطرق التفوق عليهم، فلكل منا في هذه الحياة حراس لعتبات نجتازها في الكتابة وفي الرسم وفي العمل وفي كل مفاصل الحياة؛ وأفضل طرق العبور من خلالهم إلى أرض الكنوز الخاصة بنا، والوصول إلى قلب المغامرة والعودة بالكنز، هي فهم حال هؤلاء الحراس.. قوتهم وعقلهم وإمكاناتهم؛ وليس علينا مواجهتهم بالقوة العضلية فقط بل يمكننا في كثير من الأحيان الالتفاف عليهم وعبور العتبة بسلام.. الطفل المحب لتقليد البطل في الحكاية سيهتف لكل قصة متقنة الصنعة يستطيع فيها أن يكون منتصرا على حراس تلكم العتبة، من هنا كان واجب في أدب طفلنا السوري المعاصر أن نتقن له صناعة حراس العتبة، وأن نحسن صناعة الصراع معهم قبل الدخول إلى كهف الأمنيات، من ضمن إتقاننا لكل مفاصل القصة وطريقة كتابتها بشكل جميل.
دعوة لأدباء الطفل والمتصدرين للمشهد الثقافي السوري الخاص بأطفالنا: لنبحث في قصصنا عن كل ما من شأنه الإتيان بقصص مكتملة العناصر شائقة ومتقنة الحبكة تحقق كل شروط الحكاية الشائقة الممتعة… لنواجه حراس العتبات في حكاياتنا ونحن متسلحون بكل ما يمكن من إبداع وخيال.
رامز حاج حسين