كورونا وعقد اجتماعي عالمي؟!
ريناس إبراهيم
يواجه العالم أجمع اليوم خطر انتشار فيروس كورونا “كوفيد-19″، وأتت الحصيلة الكارثية في أكثر بلدان العالم تقدماً على مستوى الرعاية الصحية، فلم تختلف عن بلدان أخرى أقل مستوى صحيّ، ليبقى الاختلاف الوحيد في طرق الوقاية والتوعية المحلية تجنباً لانتشار -قد يكون كارثياً- مع انخفاض جاهزية المرافق الصحية. ومع هذا التأثير الإجمالي غير المسبوق عالمياً لمرض أو وباء، هل سيغيّر تطور انتشار كورونا التعامل العالمي مع قضايا الدول النامية ويجعلها أكثر جدية في تعاطيها؟ أم أن شعارات التعاطف والتضامن الاجتماعي ستذروها رياح صيفية حارّة؟
فرغم جميع القوانين الدولية والوثائق الرسمية وغير الرسمية لحقوق الإنسان، لا يزال التفاوت في التمتع بتلك الحقوق قائماً في دول كثيرة، والمقصود هنا الحقّ في الصحة، والذي عرّفه دستور منظمة الصحة العالمية الصادر عام 1946 بأنه حالة من الرفاه البدني والعقلي والاجتماعي التام، ولا تعبّر فقط عن غياب الوهن أو المرض، لكن العديد من الدول النامية تنشد الحدّ الأدنى من هذا الحقّ وفي جانبه البدني ليس إلا!
في عام 2014، وضمن مشروع “عدم المساواة العالمية الصحية: سدّ الفجوة”، قدّم معهد برشلونة للصحة العالمية ورقة تحت عنوان “عقد اجتماعي عالمي من أجل مجتمع عالمي صحي: لماذا وماذا وكيف؟” جاء فيه: “أطلقت منظومة الأمم المتحدة مبادرة الحدّ الأدنى للحماية الاجتماعية، وأنشأت فريقاً استشارياً بقيادة ميشيل باتشيليت، وقدم الباحثون والمنظمات الحكومية الدولية والمقررون الخاصون للأمم المتحدة المعنيون بالأغذية مقترحات لصندوق حماية اجتماعية عالمي مجمع (صندوق أوليفييه) يقدم وظيفتين: دعم التكاليف لأقل البلدان نمواً وتوفير التأمين ضد المخاطر لجميع البلدان”، لكن ليس هناك أية نتائج ملموسة لهذا المشروع، بل أكثر من ذلك، لا توجد أية نتائج للبحث عنه باللغة العربية!
إذاً الحديث عن الحقّ في الصحة لا يعدو كونه حديثاً عندما يتعلق الأمر بدول نامية، وعبارات التضامن الإنساني ليست إلا شعارات واهية تحاول المنظمات الدولية تدعيم شرعية مشاريعها وخططها من خلال طرحها، سواء تحقق ذلك أم لم يتحقق.
وفي مفارقة لا بدّ من التوقف عندها، قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، أمس، بعد غياب: “إن العالم سيتغيّر إلى الأبد ما بعد كورونا”، وأشار إلى أهمية التضامن الاجتماعي والحفاظ على العقد الاجتماعي من التفكك محلياً وعالمياً، في حين إنّ بلاده تشدّ القيود على السوريين بعقوبات اقتصادية طائلة بادّعاء “حماية السوريين”؟!
ورغم عدم إمكانية إنكار جاذبية المصطلحات التي تطلقها تلك المنظمات والتفصيل في شرح أهدافها وبرامجها على الورق، إلا أنها تقتصر على التوصيات من جهة واحدة، دون وجود تنسيق كافٍ مع جهات أخرى من تلك البلدان الأقل نمواً (بما يمكن تشبيهه بأنه فعل دون ردّ فعل).
اليوم، مع عجز الدول عن تطوير علاج ولقاح ضد فيروس كورونا المستجدّ، وجهود الباحثين والعلماء في دول عديدة بغية تطوير عقار علاجي، تطفو شعارات الإنسانية والتضامن إلى السطح، فهل هو طفو مؤقت إلى حين؟! أم أن المنظمات الدولية والدول الكبرى باتت تدرك أهمية المساواة الصحية فعلاً؟ ويبقى السؤال أيّ عقد اجتماعي عالمي يُقصَد؟ ومن هم أطرافه؟