ما أحوجنا اليوم إلى فكر “البعث”
لا تقتصر سمة الثقافة الرائجة على جيل محدد بفترة زمنية معينة كما يعتقد البعض، بل إن مفهوم الثقافة الرائجة في وقت من الأوقات قد يمتد على مدى أجيال متلاحقة تبعاً لمدى التأثير الذي يمكن أن تتركه هذه الثقافة أو تلك بفضل قوتها وقدرتها على الاستقطاب وبالتالي التأثير .
والواقع أن الحياة الثقافية والفكرية في سورية شهدت في القرن العشرين، وبالتحديد في النصف الأول منه انعطافات حادةّ ارتبطت في العشرين سنة الأولى بسيطرة الفكر المقاوم للاحتلال العثماني للأرض العربية، وهو الاحتلال الذي تجاوز المفهوم التقليدي لمن يحتل الأرض إلى محاولة احتلال العقل العربي، وهو الأمر الذي رفضته الطبقة المثقفة العربية وقد تجلى هذا الرفض بظهور ما سمي بالنهضة العربية التي ركّزت على النهوض الفكري للعقل العربي حتى لو لم يكن ذلك مرتبطاً بعملية نهوض شاملة على أصعدة متعددة.. وفي المرحلة التالية لحقبة الاحتلال العثماني كان الفكر العربي على موعد مع مواجهة شاملة مع نمط أكثر خطورة في العمق وأكثر دعة في الظاهر تجلى بالاستعمار الفرنسي الذي حاول أن يلبس لبوس المستعمر الحضاري فلم يمضِ وقت طويل حتى كشر عن أنيابه وبدا في جوهره أكثر حقداً ورغبة في تدمير الفكر العربي من الاحتلال العثماني، فما كان من النخبة العربية إلا أن اختارت من جديد أن تكون السابقة إلى مواجهة الخطر الفكري الداهم الذي يريد محو ثقافة هذه المنطقة ووأد أي نهضة فكرية حضارية فيها، وقد استمرت هذه المواجهة مستعرة حتى جلاء الاستعمار الفرنسي عن ارض الوطن عام 1946 فكانت تستعر حيناً وتخمد حيناً آخر ارتباطاً بالتطورات الميدانية على صعيد المواجهة العسكرية ومن ثم السياسية بين السوريين من جهة والمستعمر الفرنسي من جهة أخرى، إلى أن جاءت المرحلة التي ظهر فيها حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947 وما طرحه من نهج فكري جديد يناسب المرحلة الجديدة التي دخلتها سورية، مرحلة الاستقلال، وكان من الملاحظ أن الحزب لم يقدم نفسه كحركة سياسية فحسب بل وكحركة فكرية أيضاً بالتوازي مع الجانب السياسي، فكان له منظِّروه وأدباؤه الذين دافعوا عن أفكاره عن طريق الفكرة والكلمة والنص الأدبي من شعر وقصة ورواية، فظهرت أسماء عديدة أضحت فيما بعد من أبرز أعلام الأدب المعاصر ولا يغدو اسم الأديب الراحل سليمان العيسى إلا كنموذج حي دائماً على ما نذهب إليه وهو الذي حمل الفكر القومي العربي الذي نادى به ودافع عنه حزب البعث في كل كلمة كتبها وأبدعها فكانت أشعاره نبراساً ساطعاً لكل من أراد أن يعرف كنه الرسالة الحضارية التي حملها حزب البعث إلى الشعب العربي .
واليوم ووطننا العربي يمر بمرحلة اللاتوازن، لا على الصعيد الفكري فحسب بل وعلى الصعيد الأخلاقي – وهو أخطر ما في الأمر – فإننا أحوج ما نكون إلى الفكر الذي دافع عنه العيسى وأقرانه كي تستطيع أمتنا أن تعود من جديد تلك الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة .
أمينة عباس