ثُمّ.. ماذا؟!!
عبد الكريم النّاعم
قُرِع الباب فانتبهتُ شبه متعجّب: مَن تُرى يخرج من بيته ومنْع تجوّل الكورونا يشمل الكرة الأرضيّة، عدا ما لابدّ من الخروج من أجله، لتأمين بعض مواد الحياة الضروريّة؟!! فتحتُ الباب فطالعَني وجه صديق العمر.. بصورة لاشعورية ارتفع حاجباي إلى الأعلى، وقلت له: “أهلا وسهلا”. دخل باتّجاه الجهة التي نجلس فيها، ولا شكّ أنّه لاحظ الدّهشة المرتسمة على وجهي، فقال: “طَقَتْ روحي، ليس في البيت إلاّ أنا وزوجتي، كيفما تنقّلتَ بين فضائياتنا لا تسمع إلا الكلام عن الكورونا، فجئتُ لأتروّح قليلا من عناء الحجز.. كيف حالك”؟
قلت: “مثل حال الآخرين، الفرق الوحيد بيني وبينهم أنّني في هذه العُزلة منذ أكثر من تسع سنوات، عدا بعض الفسحات المتباعدة التي تترك أثرا سلبيّا في النهاية، فحين كنتُ، في سفرة ما، أتأمّل الطبيعة والناس، كان يُعتم هذا الألق أنّني سأعود إلى تلك الصومعة، إلى محبس من محبسين عاناهما “المعرّي”.. الآن العالَم كلّه يُشبهني، ومع ذلك لا أكتمك أنّني أحسّ بمزيد من الحصار”.
قاطعني: “كيف؟! لم أفهم، أنت لم يتغيّر شيء في حياتك”؟!!
قلت: “يا صديقي كنتُ أنظر من الفسحة المُطلّة على الشارع، فأرى النّاس، أسمع موسيقا ضجيجهم، أتنسّم بعض ما في الحياة من طَعم ما فيها، أمّا الآن.. فالعالم كلّه، كما يبدو لي، قابع في حصاره، بمعنى أنّ الكون كلّه دخل فيما أنا أشكو منه، أنا كما تعرف منذ تسع سنوات محاصَر بفيروس الخراب العربي، ووحشيّة الدواعش، وأصحاب التعصّب المذهبي الأعمى، وحين بدأت تباشير انبلاج الفجر داهمَنا هذا الفيروس”.
قال وعلى وجهه علامات من الجدّ: “لا أكتمك، تابعتُ بعض ما يُقال على صفحات التواصل الاجتماعي، ثمّة مَن يرى أنّ هذا الوباء هو عقوبة ربّانية لردع غطرسة البعض الذين داسوا الكرامة الإنسانية، وتجبّروا تجبّر الفراعنة، ولا يقبلون إلاّ أن يكون هذا العالم مزرعة لهم يفعلون بها ما يشاؤون، وثمّة مَن يرى أن لا علاقة للسماوات العُلى بشيء من ذلك، فكيف تنظر إلى هذا الأمر”؟
قلت: “يا صديقي التفسيرات تكون بحسب المعتَقَد الذي عليه الفرد، فالمتألّهون لهم رأي، وغير المتألّهين لهم رأي آخر، ولكنْ، قبل أن أنسى أحبّ أن أضيف إلى ما ذكرت أنّ ثمّة نظريّة تقول إنّ الطبيعة حيّة، وأنّها تُدافع عن نفسها لتواجه ذلك الخراب والدمار في البيئة التي لُوِّثت فيها البحار والأنهار والغابات، والفضاء، من أجل مزيد ممّا يُدّخر في خزائن المال المتوحّش.. هذا الكورونا إمّا أنّه واعٍ، وحيّ، وقد هاجم العالم بخطّة مرعبة، وإمّا أنّ ثمّة قوّة أخرى فتحت صندوق باندورا الشيطاني، أياً تكن الأسباب التي نختلف فيها بحسب رؤانا ومعتقداتنا، فهذا العالم مطالب الآن بأن يدرك أنّ عليه مواجهة هذا الوباء، وإلاّ كان عُرضة للدّمار، والموت، أنظرْ، في ذروة المواجهة ما يزال المتغطرسون والمستكبرون يفرضون حصارهم على عدد من البلدان التي لا تسير في ركابهم!! إنّ هذا يعني أنّه لابدّ من مواجهة ذلك السرطان، سرطان الأثرة، والعجرفة، والظلم، والاستكبار، ونهب ثروات الشعوب، ومصادرة حقّها في أن تعيش بكرامة، إنّ حجم “الطّوْغَتة” – من الطاغوت – بلغ قدرا لم يبلغه من قبل.. طواغيتُ الأزمنة الماضية كانت سطوتهم تطال حدودا جغرافية صغيرة قياسا بمساحة العالم، أمّا طاغوت اليوم، أمريكا ومَن معها، المفضوحون والمتستّرون، فإنّ طغيانهم شمل الكون كلّه، إلاّ مَن أبت عليه كرامته ذلك”.
قاطعني: “هل ترى أنّ تحوّلا جديدا سيصيب العالم”؟!!
قلت: “أنا قارئ ولست بمنجّم، ولكنّني أرجّح أنّ العالم على أبواب معطيات جديدة سيكون، ولا أكتمك أنني أعتقد أنّ أمريكا الدّولة العميقة، بتشكيلاتها السرّيّة والعلنيّة، بعلاقتها العضويّة مع الصهيونيّة لن تدع الخير يمرّ، مادامت قادرة على ذلك، وضرب هذه البؤرة سيكون فتْحاً جديداً لعالم جديد..
aaalnaem@mail.com