الكورونا.. العادلة!
د. مهدي دخل الله
لله در هذا الوباء ما أعدله… بدأ بصاحبه فقتله!..
إذا صدقت نظرية المؤامرة التي تقول: إن الضباط الأمريكيين حملوا معهم الفيروس عند مشاركتهم في الألعاب العسكرية في الصين فيكون القول المأثور السابق منطبقاً تماماً على عدالة هذا الوباء, لأن أمريكا اليوم هي الأكثر معاناةً بينما الصين شفيت منه..
لكن عدالة الوباء لها وجه آخر أكيد، بعيداً عن المؤامرة التي مازالت في دائرة الظن…
هذا الوباء عادل لأنه العامل الفريد من نوعه الذي وحّد العالم وفرض على مكوّناته المساواة بكل ما في الكلمة من معنى.. تساوى امام هذا الوباء “العادل” الفقراء والأغنياء، الأذكياء والأغبياء، الكبار والصغار، المرضى والأصحاء…
لكن أهم مساواة وعدالة هي تلك التي أصابت – لأول مرة – بنية العلاقات الدولية. جميع الدول اليوم أضحت متساوية كأسنان المشط لا يفرّق بينها تطوّر أو تخلّف، عرق أو لغة، موقع جغرافي أو جيوسياسي، دور إمبريالي استعماري أو تحرري..
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية مازالت متمسكة باستعلائها ولم ترفع الحصار الاقتصادي والمقاطعة عن دول لا ذنب لها سوى أنها تمسّكت بمبدأ الاستقلال، إلا أن الكورونا تفرض عليهم – وإن لم يعترفوا – بأنهم يجابهوا المشكلة ذاتها التي يجابهها المحاصَرون..
لاشك في أن الانسان العادي الموضوعي يشعر اليوم بمدى ما تلقاه من تضليل وكذب عبر وسائل الإعلام طوال الأعوام الماضية. ولاشك في أنه يشعر بأن الهالة الكبيرة حول عظمة أمريكا وبريطانيا وفرنسا انهارت تماماً، وأنها دول عادية مثل غيرها، وينبغي ألا تخيف أحد..
اليوم يتحدّث بعض المحللين أن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبلها. ربما هم يتحدّثون عن تغيير ما في العلاقات الدولية. هذا لا يهمني كثيراً، المهم اليوم أمر آخر أكثر تأثيراً من شكل العلاقات الدولية. إن الذي تغيّر هو أن ثقافة الناس في جميع أنحاء العالم لم تعد تنظر إلى أمريكا كما كانت تراها من قبل. هنا يصدق المثل الشعبي اللبناني: “فكرنا البيْك بيْك.. طلع البيْك زلمة”..