مذيع تلفزيوني آخر ضحايا القمع الأردوغاني
قدّم رأس النظام التركي رجب طيب أردوغان شكوى جنائية إلى الادعاء العام في إسطنبول ضد مذيع تلفزيوني تركي شهير بسبب انتقاده لطريقة تعامله مع أزمة فيروس كورونا في البلاد، في وقت يسعى فيه البرلمان إلى مناقشة مشروع قانون مثير للجدل يسمح بالإفراج المبكر عن عشرات الآلاف من السجناء، من بينهم صحفيين ونشطاء.
وذكرت وكالة الأنباء الناطقة باسم النظام التركي أن أردوغان طالب بأن تنظر محكمة الدعوى المقدّمة ضد فاتح بورتاكال، بسبب “تصريحاته الكاذبة كلياً والمتلاعب بها” على وسائل التواصل الاجتماعي، حسب تعبيره.
واتهم أردوغان المذيع البارز على قناة “فوكس تي في” بإهانة “الرئيس”، وهو اتهام قد تصل عقوبته للسجن لخمس سنوات وفقاً للقوانين التركية.
وضم بورتاكال صوته إلى العديد من الأتراك الذين وجّهوا انتقادات لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد أردوغان بعد إطلاقه حملة تبرعات للمساعدة في التعامل مع توسع جائحة كورونا في البلاد بدلاً من أن تساعد الدولة المواطنين المتضررين منها.
وشبّه بورتاكال الحملة، التي أطلق عليها الأتراك “حملة التسوّل”، في تغريدة على تويتر بأوامر الضرائب الوطنية خلال حرب “استقلال تركيا” أوائل عشرينات القرن الماضي، وقادت تلك الأوامر إلى مصادرة بعض السلع والممتلكات العامة.
وكتب بورتاكال على موقع تويتر: “أتساءل عمّا إذا كانوا سيطلبون أيضاً أموالاً من أصحاب الودائع أو المدخرات.. لسوء الحظ، لا يمكن أن أقول إن هذا لن يحدث”.
وشهدت تركيا حملات تبرع وتضامن عفوية قامت بها البلديات، خصوصاً تلك التي تديرها المعارضة، بعد تأخّر حكومة أردوغان في اتخاذ تدابير احترازية لمنع تفشي الفيروس في البلاد، لكن أردوغان لم يستحسن تلك المبادرات الإنسانية بسبب مخاوفه من تزايد الانتقادات ضد سياساته وخدمة تلك المساعدات لمعارضيه.
ولإسكات منتقديه قام أردوغان الأسبوع الماضي بإطلاق حملة مساعدات متأخّرة، مطالباً الأتراك بالمساهمة فيها والتبرع برواتبهم لمواجهة فيروس كورونا، ثمّ وصف الحملات الخيرية التي تقوم بها البلديات بأنّها محاولة لتشكيل دولة موازية.
وبصورة منفصلة، تقدمت الهيئة المسؤولة عن تنظيم عمل البنوك في تركيا بشكوى ضد بورتاكال، واتهمته بـ “الإضرار بسمعة” البنوك.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها بورتاكال إلى مضايقات من قبل أردوغان، حيث أعلن أواخر شهر الماضي عن تهديدات عزمه ترك العمل في قناة “فوكس. تي. في” بعد تهديد أردوغان له وسط مؤيديه في قونية.
وشهدت تركيا إلقاء القبض على عشرات الصحفيين وإغلاق العشرات من وسائل الإعلام، في إطار حملة حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يتزعمه أردوغان، ضد معارضيها منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها فصيل من الجيش في عام 2016.
وهناك 260 ألف نزيل في السجون التركية المكتظة، ولم تكشف السلطات بعد عن عدد المصابين بفيروس كورونا داخلها، لكن تحت ضغط المعارضة والنشطاء رضخ حزب العدالة والتنمية لتقديم مشروع قانون من المفترض مناقشته في البرلمان. ولقيت هذه الخطوة، التي اقترحها الحزب الحاكم، للإفراج المبكر عن عشرات الآلاف من السجناء لكبح جماح انتشار كورونا، انتقاداً من جماعة حقوقية بسبب استثناء سياسيي المعارضة والصحفيين والأكاديميين والمحامين المنسوب إليهم اتهامات تتعلق بـ”الإرهاب”، من ذلك الأمر.
وقال هيو ويليامسون، مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة هيومن رايتس ووتش: إن هذا الوباء “يخاطر بتحويل عقوبة السجن إلى حكم بالإعدام”، وأضاف: “يجب أن يستفيد السجناء الذين سجنوا بسبب آرائهم السياسية من قانون الإفراج المبكر”.
ويمكن أن تشمل هذه الخطوة نحو 90 ألف سجين، بأن يكونوا مؤهلين للإفراج المشروط أو الإقامة الجبرية وفقاً للاقتراح الذي قدمه حزب العدالة والتنمية.
من جهته انتقد زعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو مقترح “العفو العام” الذي تبناه نظام أردوغان، حيث اعتبره تكريساً لوجود اللصوص في بلد يعاني من الفساد في ظل وضع اقتصادي هش، وتساءل: “لماذا يحبس الصحفي الذي كتب عن الرشوة بينما يبقى المرتشون بالخارج؟”، مشيراً إلى أن “هذا المقترح غير عادل وبمثابة ترسيخ لوجود اللصوص، وتأكيد لانعدام الضمير في البلاد، ومن ثم فإنه إما أن يتحوّل لقانون منصف سنعارضه”، وأضاف: “في الوقت الذي يقضي فيه بحبس كاتب 3 أعوام لأنه كتب مقالا عن الفساد، يطلق سراح موظف فاسد دون أخذ عقوبة، بموجب ذلك القانون، وهذا لن يسمح به أي ضمير”.