انعكاس بطعم الاستهزاء
تتشظى بقايا الأحلام المرسومة في أفول الليل، لترسم على قسماتنا حكايات مواربة يشهق على وقعها حديث الصباح.
تصفّحتني المرآة حتى آخر وجهي.. فقهقه الانعكاس..!
تنساب أحياناً عاداتنا كتلويحة مناجاة على مناداة المرايا. ننغمرُ بكامل اندفاعنا متأملين نرجسية الوجوه.. هو الهيام.. لا بل أكثر، كدرجات العشق المجنون.. فتأخذنا الحالة إلى أقصى درجات الذاتية وترتيب دلالاتها..!
هو الانعكاس الذي يتماهى مع القول الحذر دون المساس بسطحها، كي نبقى مشدوهين بقوام ذواتنا، وبعشق يستعرض أوهامنا على مرأى التقاسيم ومسمعها، بحلوها ومرّها، بانفعالاتها وإرباكاتها..! أحيانا لا نغادرها، ونظلُّ ممسوسين بفتنها وقراءتها.. لحظات تدعونا للوقوف على ناصية التأمل.. والتعرف..!
في أيامنا.. وقبل الخروج من هندسة الواقع.. تنعكس أحلامنا على مرايا متعددة الوجوه.. يرى صاحب المكان أنه استحوذ كل جهات الأرض.. وصار العالم كله بقبضته.
وقف بعضهم أمام مرآته.. بصرف النظر عن شكلها، قرأ تفاصيل الزمن وأخاديده.. فمنهم من قًلَبَ المعادلة وألقى باللوم على قلقه.. ومنهم من راح يتلمس شكوكه..!.
أحياناً.. يأخذنا الحديث مع المرايا إلى ميثولوجيا “نرسيس” العجيبة، وإلى التفسير ومعرفة الخبايا..
ترميز متعدد وإشارات بنكهة اللاجدوى، فمجرد أنْ يلتف للوراء.. تغتابه المرآة في حديث عن درجة الانفعال ومحاكمة التقاطيع..!
هناك من أراد لها – أي المرآة – أن يجعلها ثيمة حقيقية، فجعل الترقب حارساً على زواياها في عنفوان استدارتها.. الأصوات مرايا.. الأقوال مرايا.. ترجمات قاضمة، حالمة ومواربة.. انتظار وتريث، ومسافة لا تبعد سوى انعكاسين عن ملامسة الأنا.
تستطيل الوجوه أحياناً، وتقترب في أحايين كثيرة.. لحدودها طعم الاستهزاء، رغم كل التنبيهات المرسومة على جدرانها الشفافة.. تفاخرٌ، رغبةٌ، عشق وانفعالات تؤرخ اللحظة الومضة بكل تجلياتها، غير ناسية ذاك الظل الموارب على أطراف الأنا.. اشتغال مخصّب بالغواية، يصرخ بغرور ونهم: أهي الرغبة في استحواذ المكان، أم تسلق على ناصية الهِستيريا التي تسرق الضوء من قلب الأسرار..؟
يبقى الوقوف أمام المرآة محاكمة وتمرداً.. وحيرة بأسمال ملونة أحياناً.. ومذبذبة بكينونة تهيئ نفسها لانطلاقة مدهشة، تفتح احتمال التعبير على مصراعيه..!
الوقوف، هو قفز على منصات المفترض.. أو ربما تسمية تفوق سبر الأغوار.. هنا فقط، يبدو الوجه في حالة من التماهي الكامن مع صرير التبصير..!
أحياناً، يقف المرء مخاطباً ذاته أمام مرآته، فيستسلم أمام رعدٍ مطبقٍ على جوهر الانعكاس.. وحشود التساؤلات تستنفر.. كأن المدار لم يعدْ يتسع نفسه.. ينشغل الواقف عمداً أمامها بتأويل وتركيز وشرود وكثافة أجوبة.. وهي قد تقتنص عناوين الخوف من مسحة وجنة أو رجفة جفن، فينكشف الدال والمدلول على احتمال الهواجس.. وكأنه إيقاظ أو تنبيه..!
حواكير احتمال.. وجفلة تدوّر مساحتها الشفيفة، الجارحة، المنكسرة والهادئة في بحث عن حقيقة لا تحتاج إلا للمسة بأصابع مجردة، تغطّي مساحة رعش.. فيها من الكشف ما يكفي لاختبار وعينا وتحريض انعكاسنا المجازي على سطح مسكون بالتضاد والتخيل.
رائد خليل