إدارة الطوارئ الأمريكية.. فشل ذريع
رغم تسجيل ارتفاع قياسي في عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا في الولايات المتحدة، يزعم البيت الأبيض أن الإجراءات المتخذة لردع الوباء تؤتي ثمارها، فيما نشر موقع “ذا هيل” الأميركي أن غفلة صناع القرار السياسي عن التصدي المبكر لجائحة كورونا انعكس فشلاً موازياً على أداء الوكالة الفيدرالية للطوارئ، المكلّفة بالإغاثة إبّان الكوارث، سواء الحرائق أو الفيضانات، التي تتكرّر موسمياً في عدد من الولايات الأميركية، أو في مكافحة الأوبئة.
وتتذرع إدارة الوكالة بأن مكافحة كورونا أتت بالتزامن مع شبه استنزاف لمواردها في إطفاء واحتواء الحرائق التي هدّدت الولايات الغربية لفترة زمنية طويلة، تلاها مكافحة النتائج الكارثية الناجمة عن الأعاصير، التي ضربت الولايات الساحلية في جنوبي أميركا.
كما أخفقت الوكالة في تسلّم الريادة لمكافحة الفيروس منذ بدء انتشاره، وواكبت خطوات البيت الأبيض في التحرّك الأولي، في 13 آذار الماضي، عقب إعلان الرئيس ترامب حالة الطوارىء العامة، بعد إصابة ما ينوف عن 2000 شخص بالفيروس، ولم تفرج عن مواردها المالية لمساعدة المناطق المنكوبة إلا حينئذ، بل أرجأت تدخلها الفعلي ليوم 18 آذار بعدما تخطى حجم الإصابات بالفيروس 13000.
تراتبياً، تتبع الوكالة لوزارة الأمن الداخلي بميزانية نحو 29 مليار دولار، لعام 2020، يضم طاقمها زهاء 20 ألف موظف، تمّ فرز نحو 2600 منهم لمكافحة كورونا، والباقي رهن إشارة التحرك لمواجهة كوارث وطوارئ أخرى قد تنشأ.
وفي الأيام العادية، تشرف الوكالة على مخزون هائل من الإمكانيات وإدارة الموارد والأجهزة الضرورية لكافة الاحتمالات المرئية، وكذلك الإشراف على ما تحتاجه البلاد من معدّات ينبغي توفيرها كالكمامات الطبية والملابس الواقية وما شابه. وما لبثت الوكالة أن انكشفت أمام الفيروس لناحية عدم تخزين عدد مقبول من الإمكانيات الطبية، من ناحية، وما ثبت لاحقاً أن جزء لا بأس به من المخزون إما أنه غير صالح للاستعمال أو منتهي الصلاحية، ما اضطرها للبحث على موارد ومنتجات خارج الولايات المتحدة لسد النقص الهائل، أبرزها شحنة بالطائرة آتية من “آسيا وعلى متنها 80 طناً من المعدات وصلت لنيويورك يوم 29 آذار الماضي”.
وفاقمت الوكالة الأزمة الطبية الراهنة بالطلب من الطواقم الطبية “إعادة تدوير واستخدام” الموارد الراهنة لحين توفر امدادات إضافية، مما أثار موجة غضب بين السياسيين والقطاع الصحي على السواء.
كذلك حثّت الوكالة الأجهزة والوكالات الموازية للطوارئ في الولايات المختلفة استخدام ميزانياتها الخاصة لشراء المعدات والأجهزة المطلوبة من السوق أينما توفّرت، وعدم “الركون” لموارد الحكومة الفيدرالية للقيام بذلك.
وتقتدي إدارة الوكالة بقرار البيت الأبيض في تحديد الأولويات وتوزيع الموارد، التي انتقدها عمدة مدينة نيويورك وكذلك حاكم الولاية وآخرين بأنها تسير وفق آلية محاباة قادة الحزب الجمهوري مما حرم أبرز الولايات المنكوبة (واشنطن، كاليفورنيا، أوهايو، نيويورك) من معدات وموارد هي في أمسّ الحاجة لها، ما تسبب في تصاعد عدد المصابين والوفيات معاً.
وفي هذا الشأن، تعزم الوكالة التحكم بآليات توزيع لقاح هيدروكسي كلوروكين الذي يفضلّه الرئيس ترامب، على الرغم من تحفّظ الجهات الطبية المختصة حول فعاليته في مكافحة الفيروس.
بالتوازي، صرحت منسقة مجموعة العمل الخاصة بمحاربة كورونا في البيت الأبيض ديبورا بيركس، بأن الخبراء الأمريكيين درسوا بعناية تجربة إيطاليا وإسبانيا في مواجهة الفيروس، مضيفة: “في العديد من النواحي نتعامل مع الفيروس بصورة أفضل بكثير من بعض الدول المتضررة الأخرى، ونحاول إدراكه. نؤمن بأن نظام توفير الرعاية الصحية في الولايات المتحدة استثنائي”.
ولفتت الخبيرة إلى أن آخر التنبؤات تشير إلى أن كورونا سيقتل 60 ألف شخص في الولايات المتحدة خلال الأشهر الأربعة القادمة، أي أقل بكثير من التنبؤات التي نشرها البيت الأبيض أواخر آذار، بوفاة 100 ألف أمريكي على الأقل جراء الجائحة حسب أفضل السيناريوهات، وشددت على أن التوقّعات الجديدة الأكثر تفاؤلاً تتوقف على “ما تفعله أمريكا”، مشيدة بتغيير المواطنين سلوكهم تنفيذا لتوجيهات حكومتهم.
وتحولت الولايات المتحدة خلال عدة أسابيع إلى أكبر بؤرة للفيروس على مستوى العالم بأكثر 14.8 ألف وفاة و432 ألف إصابة مسجلة بالعدوى حتى الآن.
وتعرضت إدارة ترامب في هذه الظروف لانتقادات شديدة، وخاصة أنه كان يصر، في المراحل المبكرة من تفشي الفيروس، على أن كورونا لا يشكّل خطراً ملموساً على الولايات المتحدة، ويستغله الديمقراطيون لتقويض مواقعه قبيل انتخابات الرئاسة القادمة.