التحديات تعصف بالغطاء الحراجي وتنذر بانحساره وتراجع موارده
باتت العناية بالأشجار ضرورة ملحة في ظل تعرض الكثير من المساحات الزراعية للتخريب والعبث، فالشجرة حراجية كانت أم مثمرة هي على الدوام ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها وتطوير أنواعها وتوسيع مساحات زراعتها بشكل متوازن مع بقية المحاصيل الأخرى، بمعنى ألا تكون هناك زيادة في نوع من الأشجار على حساب آخر، ولا على حساب المحاصيل الأخرى التي تدخل في المحصلة الأخيرة مجتمعة في رفع وزيادة الدخل وتحقيق الأمن الغذائي المتنوع، وعلى أساس أن هناك جهات مختصة تمنع ذلك.
وما من شك في أن تلك المساحات قد ازدادت إلى حد ما، ويبقى أن نعمل باستمرار على حماية ما زرعناه ورعايته حتى يصبح بمأمن من يد التخريب والإهمال، ولا نشك في أن أموالاً طائلة تستثمر وتصرف في هذا المجال، ولكن مع الأسف فإنه لا بد من القول أن كل فعلناه في هذا الاتجاه ليس على مستوى الطموح، سواء من حيث المساحات المزروعة أو من حيث الحماية والاعتناء بها والوصول بها إلى بر الأمان.
انحسار وتراجع
مع الأهمية الكبيرة للمحميات وما ينتظر منها مستقبلاً تتعرض الثروة الحراجية إلى كثير من الأخطار والتي كانت سبباً في انحسار مساحتها على مر السنين وأهمها الحرائق, وهي العدو الأول للغابات كونها تسبب كوارث كثيرة وأضراراً بالغة لا يمكن تلافيها، إلا بعد مرور زمن يوازي عمر الغابات المحترقة، وهذه الأضرار تنعكس مباشرة على الإنسان والبيئة والقطع الجائر والاحتطاب الكيفي، إضافة إلى كسر الأراضي الحراجية وتحويلها إلى أراض زراعية، والرعي الجائر لذلك كان إنشاء المحميات الطبيعية إحدى الوسائل المتبعة للحفاظ على التنوع الحيوي والمصادر الطبيعية وحمايتها والسير بها نحو التجدد والاستدامة.
إدارة المحميات
وتعمل وزارة الزراعة للحفاظ على هذه المحميات وتطويرها كما ذكر مدير مشاريع استصلاح الأراضي وتطوير التشجير المثمر المهندس خالد شوكت من خلال خطط الوزارة انطلاقاً من واقع كل محمية وتزويد المحميات بكل مستلزمات الإدارة، وذلك بالاعتماد على مبدأ الإدارة المتكاملة للمحمية، وهي مبنية على فهم المصادر الطبيعية الموجودة في المحميات من نباتات وحيوانات وتفاعلها مع بعضها البعض في المكان الذي يجمعها، ومن ثم تحليل حاجة هذه المصادر للاستمرار والتخلص من النشاطات والأعمال التي توقف استمراريتها، والعمل على تطوير نشاطات متوافقة مع البيئة ولا تضر بها، فمثلاً أصبحت المحميات أماكن لتطوير السياحة البيئية كما يمكن إقامة مشاريع التطوير الاقتصادي والاجتماعي ضمن المحميات والتي تعمل على توفير مصادر دخل للسكان المحليين مرتبطة بالطبيعة والمحميات كبديل للنشاطات المضرة بها، ويمكن استثمار المحميات الطبيعية كأماكن للتوعية والتثقيف البيئي، حيث تستخدم كمختبرات حية للتوعية البيئية وعلاقة الإنسان بالطبيعة ما يكون له أثر إيجابي لحمايتها.
وأكد شوكت على ضرورة حماية هذه الثروة الوطنية من التخريب والحرائق واتخاذ الإجراءات التي تضمن للأشجار البقاء من خلال شق الطرق الحراجية وخطوط العزل والنار، ونحن في ذلك مازلنا مقصرين ومازالت غاباتنا الطبيعية بعيدة عن المستوى اللائق الذي يجب أن تكونه، فالطرق الحراجية – إن وجدت – فهي للإشارة إلى أن نسب الإنجاز قد تحققت في خطط شق الطرق الحراجية، فهذه الطرق لن يمر عليها أحد من أصحابها – أعني الجهات التي شقتها – لخدمة الغابات وحمايتها، وغابت الدراسات المعنية بتطويرها وإغناء تنوعها وجني فائدة اقتصادية منها. وفي ضوء عدم وجود الحماية الجادة، هناك في كل عام سلسلة من الحرائق التي تدمر مساحات كبيرة منها، تشتعل وتخمد بفعل الصدفة، وعندما لا تجد أمامها ما تأكله. ومن هذه الناحية، وكما أسلفنا، فإن الدولة، ممثلة بوزارة الزراعة، تصرف أموالاً طائلة في سبيل حماية وتطوير الغابات وعلى أساس أنه هناك مهندسين وموظفين وحراسا ودراسات تخطط لإنشاء محميات وإلى ما هنالك من أمور يمكن الحديث عنها في هذا المجال.
وحول الإجراءات المتخذة لحماية الشجرة, وللعودة لمديرية استصلاح الأراضي و تطوير التشجير المثمر, حول الإجراءات المتخذة لحماية المساحات المستصلحة و المشجرة أشار شوكت إلى أنه سيتم العمل للكشف عن المواقع التي تتعرض للعبث واتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على الثروة الحراجية ووضع خطة للعناية بالأشجار المثمرة, حيث أعدت الوزارة خطط عمل للمحافظة على الغابات والشجر المثمر لحمايتها من الاعتداءات الجائرة, ومن ضعاف النفوس, إضافة للحفاظ على البيئة وسلامة الغابات والأشجار من الحرائق, واتخاذ الإجراءات للحيلولة دون حصول أي اعتداء يطال الثروة الحراجية.
الحديث لنا
وانطلاقاً من هذه الحالة التي مازالت مستمرة منذ عقود فإنه يجب أن تكون قد توفرت لدينا غابات مثلى نفاخر بها دول العالم أجمع ومحميات طبيعية فيها كافة أنواع الأشجار والحيوانات التي كانت فيها من قبل وانقرضت أو فرت لجهات أخرى، ولكن نعود لنقول أنه مع الأسف لم يحدث هذا إلا في غرف الاجتماعات وعلى الورق فقط. وبهذه المناسبة فإنه لا بد من الإشارة إلى أمر خطير يحدث وهو زراعة بعض الأشجار على حساب المساحات الزراعية الأخرى وعلى حساب الأشجار الأخرى ذات الأهمية الاقتصادية المماثلة وفي أرض زراعية ومروية، وهذا ممنوع وقد سنت قوانين لمنعه، ومثال ذلك الإقبال الكبير على زراعة شجرة الزيتون في مختلف أنواع الأراضي مع العلم أن هذه الشجرة ذات طبيعة حراجية وصالحة للزراعة في الأراضي الزراعية الفقيرة والمحجرة وهي مع ذلك تستطيع أن تعطي أفضل العطاء.. إننا لا ننكر أهمية وإستراتيجية هذه الشجرة المباركة ولكننا بدون تكامل في مختلف الزراعات لا يمكن أن نؤسس اقتصاداً غنياً ومتنوعاً يلبي احتياجات الناس المتنوعة فهناك شجرة التين على سبيل المثال لها القيمة نفسها, ولكن البعض يقطعون التين ويزرعون مكانه الزيتون. وحتى في الأراضي المروية الخصبة في السهول التي تقع في الجهة الغربية من البلاد نجد أشجار الزيتون تزداد مساحة واتساعاً على حساب المحاصيل الإستراتيجية التي تزرع هناك عادة، لذلك ثمة مطالب بمنع هذه التعديات والمخالفات وحصر زراعة كل صنف في مكانه وذلك من أجل الصالح العام وصالح الوطن في النهاية، وكذلك العناية والحماية اللازمتين لغاباتنا الطبيعية وإقامة دراسات متخصصة حولها وتنفيذها فيما بعد على أرض الواقع قبل فوات الأوان.
عبد الرحمن جاويش