ربّ ضارة نافعة!!
مع بداية تأثيرات وباء كورونا على البلاد، وقع ارتفاع في أسعار العديد من السلع، ومنها التبغ، ما أدى إلى زيادة الطلب على الدخان الوطني المصنوع في معامل سورية، وبأيد سورية، وبالاعتماد على مُنتج زراعي لفلاح سوري. و”ربّ ضارة نافعة”، كما يُقال، فالحصار الجائر على البلاد، والذي يستهدف عملتها أيضا، كان له تأثير جيد على هذه الصناعة بالتحديد، بما يُعيد للأذهان الأيام الخوالي، عندما رُفع شعار الاعتماد على الذات، الذي كان سببا لتطوير ونهوض صناعات سورية عديدة.
الملفت في الأمر هو تحسن جودة إنتاج التبغ المحلي، وتحسن مستوى صناعة المؤسسة العامة للتبغ، والذي ترافق مع العديد من الشكاوى حول ارتفاع أسعار علب (الحمراء الطويلة) مثلا، بنسب متفاوتة حسب منافذ البيع، تتراوح من 15 إلى 30%، خلال شهر واحد فقط، ومع ذلك بقيت قادرة على المنافسة، لأن سعرها يقارب نصف سعر أرخص أنواع التبغ الأجنبي، وهذا يُبشر بزيادة طلب مستمرة على المُنتج تتطلب من المؤسسة استنفارا ليس فقط على مستوى التصنيع، بل على مستوى متابعة المنتج منذ دورته الإنتاجية الأولى، أي الحقول.
في بلد مثل سورية يخوض حربا شنت عليه للسنة العاشرة، بالتزامن مع حصار غربي جائر، يمكن النظر إلى التبغ الوطني كوسيلة دعم حقيقي للاقتصاد المحلي أولا؛ فالتبغ يُشكل واحدا من أكثر السلع تعبيرا عن مفهوم وثقافة الاستهلاك، إذ أن العلاقة بينه وبين المستهلك هي علاقة إدمان؛ ولذلك تسعى بعض الدول، إما لصناعته أو ضبط استيراده وفرض رسوم باهظة عليه، كما حال الدول الأوروبية التي تحاول التصدي لاختراق التبغ الأمريكي، لأننا قد نجد مستهلكا يشتري سيارة مرة واحدة في العمر – وقد لا يفعل – أما المدخن وبسبب نزعته للولاء إلى نوع تبغ محدد، فإنه قد يدفع لشركة تبغ في سنوات قليلة، أكثر ما يدفعه لشركة سيارات مقابل سيارة؛ ولهذا تقف صناعة التبغ موقف التحدي والريادة حتى أمام الصناعات الثقيلة؛ ولأنها سهلة كصناعة وترتبط مباشرة بالزراعة، وحياة الكثير من الفلاحين، فلا بد من النظر إليها كزراعة استراتيجية وصناعة ثقيلة، بل وأثقل من أي صناعة أخرى، فمردودها يومي وتُشكل خط الدفاع الأول ضد نزف العملة الصعبة.
إن نظرة سريعة على بعض المتاجر تكشف أن علب التبغ المحلية بدأت تحتل مكانة مرموقة وواضحة على رفوف المحال والأكشاك والبقاليات، مع تراجع واضح للتبغ الأجنبي، وهذا يُشجع الكثير من مؤسسات الإنتاج والصناعة العامة التي تحتاج إلى مواكبة نجاحات المؤسسة العامة للتبغ.
تمّام علي بركات