في زمن كورونا.. العقوبات سلاح الإبادة الشامل
أحمد حسن
على خطورته، التي لا ينكرها أحد، لم يكن للوباء الجديد أن يفعل فعله هذا، باتساعه وطول مدته دون إيجاد علاج له، لولا أنه وجد في طريقه عالماً مفكّكاً متباعداً مأزوماً يتخبّط في حالة سيولة جيوسياسية هائلة تتسم بعدم يقين مطلق. عالم يغادر قديمه دون أن تتوضّح أسس جديده. وبالتحديد: عالم في “حالة تحلّل أكثر من كونه في حالة نظام دولي جديد في مرحلة التكون”، على ما يصفه البعض محقاً.
بهذا المعنى كان “الفيروس” كاشفاً عن أزمة عالمية لا منشئاً لها، ومساهمته الوحيدة كانت في تسريع عمليات تفاعلها الداخلية نحو نقطة الانفجار الموعودة، تاركاً البشرية ضعيفة، بل عاجزة، أمام تحدي المجهول المجهري. وهما، أي العجز والضعف، كانا نتاج طبيعي لعالم فاجر – خاصة في عشريته الأخيرة – متحلّل من القواعد والقوانين الدولية التي اُتفق عليها بُعيد الحرب العالمية الثانية، خاضع لمنطق القوة الواحدة الغاشمة التي انتصرت – نظاماً سياسياً واقتصادياً وايديولوجياً – في الحرب الباردة، وبالتالي لمنطق “نهاية التاريخ والانسان الأخير” الذي أراد أن يكون الوحيد أيضاً، فحيث لم تتقدّم قواته العسكرية للغزو والنهب تحت حجج شتى، تقدّمت قواته الاقتصادية- كسلاح دمار شامل – للسلب والخنق لا تُفرّق، وخاصة في حقبة “المقاول” الترامبي، بين حليف وعدو، وكان أسلوبها انسحابات متتالية من الاتفاقات الدولية واحدة تلو الأخرى لتزعزع أسس التعاون العالمي الواهنة أصلاً، أو على صورة عقوبات قسرية أحادية الجانب يعتقد الخبراء أنها تطال اليوم نحو ملياري إنسان من المغضوب عليهم إمبريالياً وليس أممياً، بهدف إعادة الهندسة الجيوسياسية لخارطة العالم لا تتيح لواشنطن السيطرة فقط على أكبر حصة ممكنة من ثروات العالم المختلفة، بل تمنع البقية، حلفاء ومنافسين، من الحصول حتى على الفتات لو استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وإذا كانت هذه السياسة العقابية الجائرة وغير القانونية قد أضرّت بالشعوب أيما إضرار، وحالت بالمطلق دون تنفيذ “أجندة التنمية المستدامة 2030” الأممية، فإنها في عالم كورونا المستجد “تعوق قدرة الدول المتضررة بسببها على احتواءه”، وسورية على رأس هذه الدول، كون العقوبات المفروضة عليها خارج نطاق الشرعية الدولية تتضافر وتتناصر مع حرب طاحنة مستمرة منذ أكثر من تسع سنوات كان لها آثاراً اقتصادية واجتماعية مدمّرة على الشعب السوري وعلى قدرة حكومته في تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الحياة.
والمفارقة أن الاتحاد الأوروبي، الذي يشارك في فرض العقوبات على سورية وغيرها، يعاني بدوره من بعض حماقات “ترامب” العقابية، لكنه وقد فرضها بداع من حنين إلى ماض استعماري آفل، من جهة أولى، وكخضوع مذّل ومألوف، من جهة ثانية، لأوامر واشنطن، فإنه حتى اللحظة، وبتأثير من العاملين السابقين، ورغم معاناته الهائلة من الفيروس، كما من “بلطجة” واشنطن الصحية عليه في الآن ذاته، لم يرد على نداءات منظمة الأمم المتحدة المتعددة الداعية إلى رفع العقوبات اللاشرعية عن دول العالم المختلفة واستبدالها بـ “التضامن والتعاون الجماعي” في مواجهة هذا التهديد.
عود على بدء، منذ يومين أطلقت واشنطن صفارة الإنذار الداخلية معلنة “الكارثة الكبرى” بسبب هذا الوباء، ما يفترض أن يؤمن حكامها أن “هذا هو وقت التضامن وليس وقت الإقصاء”، كما وصفه بيان سابق للأمم المتحدة، الأمر الذي يتطلّب منها، وبالتالي على أتباعها في الاتحاد الأوروبي وغيره، اتخاذ خطوات عدة، أولها التراجع عن جريمة العقوبات اللاشرعية ضد ما يزيد على ملياري إنسان، وإلا فكل حديث “عن تضامن وتعاون جماعي” في وجه الوباء لن تكون نتيجته الفعلية إلا التضامن مع ذوي الدم الأزرق، والأمريكي منه تحديداً، وبالتالي ليس إلا “حديث خرافة” يا “غوتيرش”.. والقادم كاشف.