كبير مستشاري الصحة الأمريكية: كان يمكن إنقاذ الكثير من الأرواح!
تخبّط الإدارة الأمريكية في التعامل مع جائحة كورونا، وترويج ترامب معلومات مضللة حول الفيروس، وإصراره على مجادلة العلماء وخبراء الصحة الذين يخالفون وجهات نظره، أثارت حفيظة الأمريكيين وحلفائه الأوروبيين، على حد سواء، ما جعل العلاقات التاريخية بين طرفي الأطلسي تنحدر إلى أدنى مستوى لها، وتصاعد الانتقادات الداخلية لهذه الإدارة.
الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير مستشاري الصحة في الولايات المتحدة، انضم بالأمس إلى حملة الانتقادات، وأكد، في تصريحات لشبكة “سي. إن. إن”، أنه وجّه، مع مسؤولين صحيين اتحاديين آخرين، توصيات للإدارة باتخاذ إجراءات، مثل التباعد الاجتماعي، في منتصف شهر شباط الماضي، لكنها لم تلق آذاناً صاغية في البيت الأبيض حينذاك، وأضاف: “من الواضح أنه يمكنك القول بشكل منطقي أنه إذا كانت لديك عملية جارية وبدأت في الإجراءات مبكراً فإنه كان بإمكانك إنقاذ الكثير من الأرواح”.
فاوتشي، كبير خبراء مكافحة الأمراض المعدية ومستشار ترامب الخاص في فريق مكافحة كورونا، شدّد على: “لو كان لدينا الحق منذ البداية في إغلاق كل شيء وفرض العزل الاجتماعي في الولايات التي تفشى فيها الفيروس، لاختلف الأمر كثيراً. ولكن كان هناك الكثير من المقاومة لإغلاق الأعمال والمؤسسات التجارية والصناعية في ذلك الوقت”.
وتعتبر تصريحات فاوتشي أول تأكيد رسمي لما ورد في تقارير سابقة تحدّثت عن فشل إدارة ترامب في التعامل مع التحذيرات الأولية التي أنذرت بقدوم جائحة خطيرة إلى الولايات المتحدة، وفشلها أيضاً في ضمان وجود احتياطات طبية كافية في حال تفشي الجائحة على الأراضي الأمريكية.
وسجّلت الولايات المتحدة أكثر من 560 ألف إصابة بفيروس كورونا، بينما بلغت حالات الوفاة أكثر من 22 ألف حالة، منها 1475 حالة وفاة يوم الأحد، معظمها في العاصمة الثانية نيويورك، التي أبلغت وحدها عن 190288 إصابة.
ووصف زميل مركز العمل الوقائي في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ميكا زينكو، نتائج وباء كورونا بأنها “أسوأ فشل استخباراتي في تاريخ الولايات المتحدة”، مؤكداً أن ردة فعل البيت الأبيض وإهماله خطورة الفيروس في مراحل تفشيه الأولى “سيكون من بين القرارات الأكثر تكلفة بتاريخ الرئاسات الحديثة”.
صحيفتا “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” أكدتا أن ترامب تلقى تنبيهات متكرّرة من كبار مستشاريه حول خطورة كورونا أواخر كانون الثاني الماضي، بمن فيهم مستشاره للشؤون التجارية بيتر نافارو، الذي وجّه إلى الرئيس الأمريكي مذكرة بهذا الخصوص، فيما أوضحت تقارير أن الاستخبارات الأمريكية أطلقت تحذيرات مماثلة منذ تشرين الثاني الماضي، واستمرت بذلك طيلة شهري كانون الثاني وشباط الماضيين، لكن ترامب استمر في تجاهل تلك التحذيرات والتقليل من أهميتها.
وأوضحت “نيويورك تايمز” أن ردة فعل ترامب على مثل هذه التحذيرات اقتصرت على التجاهل أو فرض إجراءات تقييدية محدودة على المسافرين القادمين من الصين، وذلك في محاولة لتهدئة الانتقادات، وإظهار أن الإدارة الأمريكية فعلت شيئاً لمواجهة الوباء.
وحول فشل ترامب في إدارة أزمة كورونا، أعادت الصحيفة إلى الأذهان سلسلة التدابير الشكلية التي اتخذها البيت الأبيض على مضض بعد ظهور حالات الإصابة الأولى بين الأمريكيين، بما فيها الإعلان على توجيهات صحية عامة بتاريخ الـ 16 من آذار الماضي، مع ترك هامش الحرية لفرض وتطبيق هذه التوجيهات مفتوحاً أمام حكام الولايات المختلفة، والذين حذا بعضهم حذو ترامب في الاستهتار بخطورة الفيروس، ما أدى إلى تفشيه أكثر.
والكارثة الموازية لتعامل ترامب الفاشل مع الفيروس، لم تنحصر بشقها الصحي وتداعياتها على الأمريكيين، بل تجاوزته، وفق صحيفة الغارديان البريطانية، إلى “تدمير سمعة الولايات المتحدة عالمياً، وخلق أزمة ثقة بين واشنطن وحلفائها”، وأصبحت العلاقات، المتدهورة أصلاً، بين الولايات المتحدة وأوروبا في “حالة موت سريري وعلى أجهزة الإنعاش”، مشيرة إلى أن ترامب أساء إلى حلفاء واشنطن منذ تسلّمه الرئاسة الأمريكية، وأدت سياساته القائمة على تقويض التحالفات الدولية، مؤكدة أن العلاقات بين جانبي الأطلسي وصلت إلى “نقطة فاصلة”، و”أسلوب ترامب المستهتر أصبح من وجهة نظر الأوروبيين خطيراً، وتحوّل الرئيس الأمريكي من شخص لا يمكن الوثوق به إلى مصدر تهديد”.
“الغارديان” أشارت أيضاً إلى ترويج ترامب معلومات مضللة حول الفيروس، ونفاقه الواضح بادعائه رفض المساعدات الأجنبية لمواجهة كورونا، وطلبه مثل هذه المساعدات سراً من حلفائه في آسيا وأوروبا، فيما يؤكّد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد، ستيفن وولت، أن إدارة ترامب استجابت لفيروس كورونا بطريقة أنانية وعشوائية، الأمر الذي سيكلف الأمريكيين خسائر بآلاف الأرواح، وتريليونات الدولارات التي كان من الممكن تجنبها.