الاستثمار في زمن الأزمات!!
قسيم دحدل
رغم أن الوضع العالمي لم يسبق أن كان في أسوأ حالاته كما هو اليوم لناحية الإجراءات الوقائية الفائقة الشدة من إغلاق للحدود والمطارات، وإقفال أغلب النشاطات الاقتصادية، خاصة التجارية منها، ورغم أنها مرحلة عصيبة ودقيقة تمر بها دول العالم، إلا أن خبراء اقتصاديون يرون أن الحياة لا تزال تنبض.
تشير مصادر منظمة “الأوتكتاد” (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) إلى أن الصدمة التي تسبب بها فيروس كورونا، ستؤدي حتماً لركود الاقتصاد العالمي، وإلى انخفاض في معدلات نموه، بما لا يقل عن 2.5%، وربما تسوء الأحوال أكثر إلى درجة تسجيل عجز في الدخل العالمي بقيمة 2000 مليار دولار، ما يعود بنا إلى انهيار هو الأسوأ بعد أزمة الكساد العالمي الكبير عام 1929!
والواضح حتى الآن تراجع حاد في الأسواق المالية، وتراجع في قيمة الأصول المالية للاستثمارات المنجزة، مقابل تزايد واضح في أزمة الديون، توازيا مع تراجع الإنتاج، وظهور حالات الإفلاس الاقتصادي نتيجة الذعر، وصعوبة التنبؤ لحركة الأسواق، وكذلك انعكاسات هذه الأزمة على انخفاض أسعار البترول بشكل حاد، وارتفاع في أسعار السلع والخدمات حول العالم، نتيجة الإجراءات الوقائية المتخذة في أغلب الدول المنتجة للمواد والسلع، والمقدمة للخدمات، حيث تاريخ الأزمات العالمية مليء بالأمثلة المعروفة (الأزمات السبع)!
وفي الأزمة الراهنة (كورونا)، يمكن القول إنه في وقت الأزمات، كثيراً ما تنخفض أسعار الأصول الاستثمارية أو تستقر، وترتفع أصول أخرى، ووسط هذه الموجة من التقلبات يفضل المستثمرون الاحتفاظ بالسيولة النقدية لمواجهة أية مخاطر محتملة، أو حدوث تدهور شديد في الأوضاع السائدة، وعادة ما تقوم الاستراتيجيات الاستثمارية في أوقات الأزمات باستغلال قاعدة أن السيولة النقدية أو الكاش هو (ملك)، لذا فمن الممكن استغلال هذا الملك في اقتناص فرص استثمارية تتمتع بعائد مجز، بمجرد انتهاء هذه الأزمة، أو هكذا يقول أصحاب نظرية الاستثمار في الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويعزز أصحاب هذه النظرية رأيهم بأن التاريخ يشير دائماً إلى أن لكل أزمة ذروة، ومن ثم فإنها سرعان ما تتراجع حدتها أو تتلاشى نهائياً.. إلا نادراً.
وعليه قد يكون الاستثمار في الأفكار الريادية والمشاريع المبتكرة أحد أفضل السبل للاستثمار في أوقات الأزمات، وربما يأتي ذلك بديلا عن الاستثمار التقليدي واللجوء إلى الملاذات الآمنة، فالأهم هنا هو أن السلوك والتصرف الواجب على المستثمرين – سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات وشركات – التحلي به هو الهدوء وإدارة صافى أموالهم ومدخراتهم بحكمة وصبر، وهي من أهم الأدوات التي يجب تفعيلها في مثل هذه الأوقات.
كما يجب ألا نواكب الموضة الرائجة، بمعنى أنه لا ينبغي لنا أن نسير في استثماراتنا وفق غريزة القطيع، خصوصا في مجالي الأسهم والعقارات، وعدم وضع كل البيض في سلة واحدة، مهما بدا أحد الاستثمارات مغرياً، إذ إن تنويع المحفظة الاستثمارية وقطاعات الاستثمار، أمر عادة ما يوصف بأنه من أساسيات كل مستثمر ناجح واستثمارات ناجحة، لأن هذا وببساطة كفيل بحماية الأموال من الضياع كليا، وهنا لا بد من تجنب القروض قدر المستطاع والتركيز على تملك الأصول، بالإضافة لتجارة المواد الأولية.
وعلى صعيد الأفراد، فمن المعروف أن اتخاذهم قرار استثمار مدخراتهم في أوقات الأزمات، أو حالات الركود الاقتصادي التي قد تصاحب الأزمات، أمر في غاية الصعوبة، ويختلف اتخاذ القرار من سوق لآخر ومن اقتصاد لآخر.
هذا في العموم، أما في الخصوصية السورية، فيؤكد الخبراء، أنه لا داعي للقلق على الاقتصاد السوري، لأنه حاليا أصبح يمتلك القدرة على مواجهة الصدمات، محلياً وعالمياً، فهو اقتصاد غير منكشف أو معتمد على نمط أو شكل معين في الإنتاج والاستثمار أو في الزراعة والخدمات، بل هو اقتصاد متنوع يعتمد في أجزاء كبيرة منه على الموارد المحلية المتنوعة أصلاً، والمتقاربة في المسافات، والمعتمدة على ثلاثية (الإنتاج، التخزين، التسويق)، وهي رغم كونها طريقة تقليدية تجاوزتها أساليب البيع الحديثة، إلا أنها في ظروف الأزمة، تبدو الأفضل لحالات حظر التجول الكلي أو الجزئي.
كما وأن الأزمة التي مرّت على سورية، منذ 2011، منحت الاقتصاد السوري رغم جميع الخسائر مناعة أكبر، على صعيد ارتدادات الأزمات العالمية وحتى المحلية.