باروير سيفاك والقصيدة الأرمنية الأشهر
“نحن قليلون ولكننا أرمن
نعرف كيف نخدم الآخرين
ولكننا أيضا نعرف كيفية التحول إلى سيف
يطعن في أحشاء من يعادينا”
رائعة الشاعر الأرمني باروير سيفاك الذي حارب بقصائده من أجل قضايا وطنه، وغدت قصيدته “إننا قليلون ولكن” القصيدة الأشهر في الأدب الأرمني المعاصر، فترنم بها الأرمن في كل دول العالم، حيث استعاد في مفرداتها تاريخ الأرمن في مواجهة جريمة العثمانيين “لم نستسلم بإرادتنا، عندما أجبرنا على ترك أراضينا”، ووصف إرادتهم وقوتهم وقدرتهم على التخطي والانبعاث من جديد مثل طائر الفينيق.
وقد ترجمت القصيدة إلى اللغة العربية وأُرفقت بفيديوهات عدة، منها الفيديو الذي عُرض على صفحة الأرمن السوريين على الفيس بوك والذي يقترب من خصوصية الفيلم التوثيقي عن حياة الأرمن عبْر متتالية من الصور على وقع الموسيقا الرقيقة، مبتدئاً من معارك الأرمن القديمة. والملفت أنه يبتعد عن صور قوافل المهجرين وصور فجائعية الإبادة، ليركز على المستقبل على دور الشباب الذين يحملون العلم الأرمني إيماءة إلى استمرار الجيل الرابع من الناجين من الإبادة بالمطالبة بحقوق الأرمن وباستعادة مقاطعاتها المسلوبة. ويستحضر الفيديو على وقع مفردات القصيدة صور أبطال الأرمن، مثل دافيد الصاصوني، ويمضي بمساره الدرامي التوثيقي مع القصيدة التي تذكر معالم أرمينيا التي ارتبطت بجغرافيتها وغدت رمزاً لها مثل جبل آرارات وبحيرة سيفان .
وتربط مفردات القصيدة بين ماضي الأرمن وواقعهم الحياتي المعاصر وتأثيرهم الإيجابي في كل مكان أقاموا فيه، وعشقهم للحياة وشغفهم بالحب “نحن نعلم كيف نحب بشغف”، وولعهم بالموسيقا المستمد من كوميداس الذي حافظ على التراث الشعبي الغنائي والموسيقي للأرمن وظهرت صورته بالفيديو “أعطينا للجميع الأغاني والأمثال والرقصات”.
الأمر الملفت أيضاً هو تكرار مفردة “ببساطة” للإيحاء بهمجية وشراسة العثمانيين واستخدامهم كل وسائل التعذيب: “ببساطة لقد نزفنا الكثير من الدماء”، ليكون التصميم على الحياة والاستمرارية أقوى.
ومع اقتراب الذكرى الخامسة بعد المئة للإبادة الأرمنية على يد العثمانيين، في الرابع والعشرين من نيسان 1915، نستحضر حياة الشاعر باروير سيفاك الذي كتب هذه القصيدة. وهو من أشهر شعراء الأرمن المعاصرين، إذ وُلد بعد تسع سنوات من الإبادة، في عام 1924، في قرية سيفاكافان في أرمينيا، وتخرج من كلية الآداب – قسم اللغة الأرمنية في جامعة يريفان، ثم تابع دراسته وتخصص بتاريخ الأدب الأرمني القديم في أكاديمية العلوم. عمل بالصحافة، ثم سافر إلى موسكو وتابع دراساته وحصل على الدكتوراه وترجم العديد من الروايات، وأصدر مجموعة كتب منها “الخالدون يأمرون” والإنسان في راحة الكف” و”قبة الجرس التي لاتسكت” إضافة إلى ديوانه الذي دعا إلى الحب والسلام بعنوان ليحل النور.
اتصف بالخروج من دائرة القصيدة الكلاسيكية فخاض غمار الحداثة الشعرية والتجديد بالشكل وببنية القصيدة، وتعمق بموضوعات وجودية وإنسانية، وعمل على الحفاظ على الهوية الأرمنية، فتطرق في ملحمته “الناقوس الذي لايصمت” إلى تفاصيل حياة كوميداس، توفي سيفاك في حادث سير عام 1971، ربما يكون مدبراً لأنه كان صرخة حق في وجه المعتدين ومدافعاً عن الإنسانية. ومن قصائده الجميلة المبحرة بعوالمه الإنسانية قصيدة الأفضل التي ترجمها مهران ميناسيان:
“إن أفضل ابتسامة هي بالتأكيد
الابتسامة بعيون مغمضة
وأفضل الأحلام
هي الأحلام بعيون مفتوحة
أما أفضل أغنية فهي الأغنية التي تأتي من بعيد
عبر النافذة المشرعة”
وبدت جمالية التكرار في قصيدته العاطفية التي وظّفه فيها ليكون أشبه بلازمة موسيقية:
“مر الربيع ولا أراك
مر الصيف ولا أراك
مر الخريف ولا أراك
الشتاء سيمر ولن أراك
في أي فصل من السنة أراك.. الخامس”
ملده شويكاني