“تحت برج” كورونا
بسام هاشم
رغم الضوضاء الحاصلة، والأصوات التي تعالت فجأة، إلا أن الأمور قد تجري على عكس ما هو متوقع.. أو منتظر! على الأقل يمكن ملاحظة ذلك من حالة الذعر التي تستولي هذه الأيام على أزلام – وأشباه أزلام – ما يسمى “معارضة سورية” في الخارج لم تكد تنام على “قانون قيصر” حتى استفاقت مرعوبة على شبكة حسابات ومصالح مستجدة، لا بل قد تكون معاكسة، هذه المرة، “تحت برج” كورونا.
الفكرة هي أن العقوبات المفروضة على سورية هي اليوم – على الأرجح – على عتبة الدخول في طور الإلغاء التدريجي، إن لم نقل الرفع فورياً دون سابق تمهيد، أو في أقرب فرصة ممكنة.. والسبب لن يكون أبداً صحوة ضمير أمريكية أو غربية، ولا شعوراً بالذنب خرج فجأة، وليس مردّه الخوف على السوريين، أو غيرهم، في ظل التهديدات القائمة بتفشي وباء كورونا عالمياً، وليس أيضاً نوعاً من التضامن الجماعي انبثق فجأة في خضم جائحة مخيفة.. القصة – ببساطة – تعاود البدء من النقطة التي كانت بدأت بها فكرة “تنشيط” العقوبات نفسها قبل سنوات، أي فتح مسارات “موازية” كان الهدف منها، في ذلك الوقت، انتزاع تنازلات سياسية لم يكن مقدراً الحصول عليها في الميدان، أو محاولات تضييق وخنق اقتصادية للتعويض عن الفشل المطلق في الاستحواذ على “سورية مدمّرة نهائياً” بعد الحرب، يمكن الاكتفاء منها بالمشاركة في عملية إعادة الإعمار إلى جانب أطراف أخرى..
حقيقة.. هذه الأهداف لاتزال حاضرة بقوة، ولكن في سياقات مختلفة جذرياً، هي سياقات الركود الاقتصادي الذي يرخي بكل ثقله على الاقتصادات العالمية، والرأسمالية الغربية على الأخص، مع بدء تبلور التباينات الاجتماعية والأخلاقية و”الثقافية” في التصدي للجائحة، وهي التباينات المرشّحة للمزيد من التعمّق والانشطار بحيث يمكن لها أن تخلق من النظم الاجتماعية والثقافية نواة نظام عالمي جديد تبرز ملامحه في أفق الخلاص من الجائحة.
حتى شباط الماضي، مع صدور ما يسمى “قانون قيصر”، كانت السياسات الأمريكية تروّج لـ “رمي” سورية في “صندوق عزلة”، بانتظار “تغيير يأتي بعد سنوات.. “ما لم تحصل مفاجأة”.. أية “مفاجأة!!”. ولكن المفأجأة حصلت بالفعل، ولكن في الطرف الآخر، فبعد أقل من شهرين، هاهي النيران تشتعل في ثياب أمريكا ترامب: كوفيد 19 يتفشّى بسرعة جنونية، والإغلاق يتسبب بخسائر اقتصادية جسيمة، و”الأمة الأمريكية” بين خياري “فقدان أسلوب حياتنا كأمريكيين وبين تكبّد خسائر في الأرواح”.. وكما عبر صراحة النائب الجمهوري تيري هولينغزورث عن إنديانا، فإن “موقف الحكومة الأمريكية في مجال الاختيار، هو الأخير دائماً”. وفي هذه العودة “الدورية” إلى الروح الرأسماية المجردة – وهي عودة أكثر ما تحيلنا إلى “إدارة التوحش” الداعشية – تكمن الانقلابات المتوقعة، فـ “الدولة العميقة” الأمريكية – وهي الحاضرة اليوم أكثر من أي وقت آخر – لن تسمح بركود اقتصادي آخر على شاكلة 1929، وهي لن تتخلى عن “أنموذج عيشنا”، قدس أقداس الامبريالية الأمريكية، فالزعامة العالمية الأمريكية مرتبطة بها بحبل سرة!! أما منظمة الصحة العالمية فلن تكون أكثر أهمية من آلاف الأمريكيين الضحايا الذين سيتركون لمصيرهم الأسود، دون شفقة، وبعيداً كثيراً.. كثيراً، عن بلاغة “الديكتايوريات التي تقتل شعوبها”!!
لا يرى ترامب في وقف تمويل منظمة الصحة العالمية عقوبة، بقدر ما يرى فيه نوعاً من إعادة تدوير بعض بنود الموازنة الأمريكية.. الواضح أن الاقتصاد الأمريكي يتقدم، الآن، على كل الاعتبارات السياسية!!