للتغطية على فشله.. ترامب يجمّد تمويل “الصحة العالمية”!
رغم تفشي فيروس كورونا عالمياً، وتزايد أعداد ضحاياه يومياً، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسيلة للتغطية على إخفاقات إدارته في احتواء تفشي الفيروس في بلاده سوى بتجميد التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية.
ترامب، الذي فشلت إدارته في التعامل مع جائحة كورونا بسبب استهتاره بخطورتها رغم ما تلقاه من تحذيرات، وجد في منظمة الصحة العالمية كبش فداء يضحي به لتهدئة الانتقادات المتزايدة التي يواجهها، سواء من الأمريكيين، الذين أصيبوا بحالة هلع مع تفشي الفيروس بينهم وإدراكهم عجز الإدارة الأمريكية عن حمايتهم، أو من حلفائه في الخارج.
وشملت لائحة الاتهامات، التي كال ترامب بها منظمة الصحة فيما يتعلق بأزمة كورونا، ما سمّاه “سوء إدارة وإعطاء معلومات خاطئة حول انتقال العدوى والوفيات الناجمة عن الوباء”، متناسياً أنه من أنكر وجود فيروس كورونا بادئ الأمر، ووصفه له فيما بعد بأنه مجرد انفلونزا، ليعود بعد اضطراره الاعتراف بخطورة الفيروس إلى اتخاذ خطوات جاءت بعد فوات الأوان.
ترامب كان هدّد في الثامن من نيسان الجاري بتجميد التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة الدولية، والذي يبلغ نحو 20 بالمئة من إجمالي ميزانية المنظمة أي ما قدره 453 مليون دولار للمنظمة عام 2019، ونفّذ تهديده بعد تزايد الضغوط التي ترزح تحتها ادارته على خلفية ارتفاع عدد الوفيات والإصابات بين الأمريكيين جراء كورونا وتجازوه 25 ألف حالة وفاة وأكثر من 600 ألف إصابة.
أولى الانتقادات الدولية لقرار ترامب، صدرت من الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، الذي وجّه رسالة دافع فيها بشدة عن الدور المهم للغاية الذي تقوم به منظمة الصحة العالمية في مواجهة تفشي وباء “كوفيد-19″، والذي لم يشهد العالم له مثيلاً، وأكد أن “هذا ليس الوقت المناسب لخفض واردات المنظمة، بل هو وقت الوحدة، وعلى جميع الدول العمل معاً في تضامن لوقف الفيروس ونتائجه المدمّرة”، فيما أكد مراقبون أن قرار ترامب سيعوق بشكل كبير جهود منظمة الصحة العالمية للتصدي لفيروس كورونا.
ولم تقتصر ردود الفعل فقط على الأمم المتحدة، بل لقي قرار ترامب اعتراضاً من أغلب دول العالم، حيث قال وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس في تغريدة على تويتر: “علينا العمل بتعاون وثيق ضد الوباء، وأحد أفضل الاستثمارات هو تعزيز دور الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية التي ينقصها التمويل لتطوير وتوزيع معدات الفحص وإنتاج اللقاحات”.
وحثّت الصين الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها، وقال تشاو ليجيان، المتحدّث باسم وزارة الخارجية الصينية، في إفادة يومية: إن تفشي الفيروس، الذي أصاب نحو مليوني شخص على مستوى العالم، بلغ مرحلة حرجة، وقرار الولايات المتحدة سيؤثّر في جميع دول العالم.
ووجّهت روسيا انتقادات حادة، وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، “السياسيون في هذا البلد (أمريكا) دائماً منشغلون في البحث عن مذنب، المسؤولون عن الوباء هم الصين ومنظمة الصحة العالمية، وفي خسارة (هيلاري) كلينتون الانتخابات، روسيا، وفي مشكلات الطبابة في أمريكا، (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين شخصياً. الشغل الشاغل لهم هو العثور على أنبوب الاختبار الأسطوري وتقديمه للعالم كدليل على ذنب الآخرين وبراءتهم من كل الذنوب”.
كما عبّر جوزيب بوريل مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية عن أسفه حيال قرار ترامب، وقال على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر: “نأسف بشدة لهذا القرار، لا سبب يبرر هذا التحرّك في وقت تكون فيه الجهود مطلوبة أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في احتواء وتخفيف جائحة فيروس كورونا”، معتبراً أنه “يمكننا التغلّب على هذه الأزمة التي لا تعرف حدوداً فقط من خلال توحيد القوى”.
من جهتها أعربت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية سيبيت ندياي عن أسف بلادها لقرار ترامب.
وخلافاً للدول، تجنّب رد داونينغ ستريت بعناية انتقاد ترامب أو البيت الأبيض بشكل مباشر، وأعلن المتحدّث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن المملكة المتحدة ليس لديها أي خطط لوقف تمويل منظمة لصحة العالمية، وقال: “من الضروري العمل معاً على الصعيد الدولي”.
وفي جنيف قال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس على حسابه على تويتر: “لا وقت نضيعه.. الشاغل الوحيد لمنظمة الصحة العالمية مساعدة كل الشعوب لإنقاذ الأرواح ووضع حد لتفشي فيروس كورونا المستجد”.
وفي طهران، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن وقف واشنطن تمويل منظمة الصحة العالمية خلال انتشار وباء كورونا وصمة عار دائمة بجبين أمريكا، وقال في تغريدة له على تويتر: “الغطرسة والتهديد والأقوال الفارغة من الإدارة الأميركية أمور عايشتها إيران من قبل والعالم بدأ يجرّبها ويتذوّقها حالياً”، مضيفاً: “إن معركة الضغوط القصوى ضد إيران وتجميد المساعدات الصحية لمواجهة وباء شامل ستبقى وصمة عار دائمة بجبين أميركا”.
وفي الداخل الأمريكي، تحدّت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها قرار ترامب، وأشادت بمنظمة الصحة العالمية، وقال مدير الوكالة الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها روبرت ريدفيلد: “للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية علاقة مثمرة وتاريخ طويل من العمل المشترك في الصحة العامة وسنواصل ذلك”.
من جانبه، أكد رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي آدم شيف أن التعاون الدولي في المجال الطبي أكثر أهمية من أي وقت مضى، معتبراً أن تجميد التمويل لمنظمة الصحة العالمية سيجعل الوضع أكثر سوءاً، وأشار إلى أنه ترامب “يتطلّع كالمعتاد إلى صرف الأنظار عن إخفاقاته، بعدما أهدر أسابيعاً وهو يصف فيروس كورونا بأنه غير مضر مثل الأنفلونزا”.
من جهتها، أصدرت نيتا لوي، رئيسة لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأميركي، بياناً حذّرت فيه من أن “أي محاولة من ترامب لإجبار خبراء الصحة في الولايات المتحدة على العمل بدون منظمة الصحة العالمية سيكون لها نتائج عكسية وتؤدي في النهاية إلى المزيد من المعاناة”، وأضافت: “آمل أن يرى الرئيس ضرورة استخدام جميع السبل لهزيمة هذا الفيروس إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الكونغرس سيضمن القيام بذلك”، بحسب تعبيرها.
وفي السياق، أكدت لوي أن على ترامب أن يوقف ألعابه السياسية الصغيرة التي تؤدي إلى نتائج عكسية، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، وأردفت: “لا يمكن هزيمة فيروس كورونا في الولايات المتحدة فقط”، معتبرةً أنه يجب هزيمته في كل مكان يمكن تصوّره في جميع أنحاء العالم، “وإلا فنحن ما زلنا في خطر”.
بدوره، أكد نائب رئيس لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الديمقراطي، باتريك ليهي، أن ترامب لا يريد تحمّل المسؤولية، “مع استمرار زيادة الوفيات بسبب الفيروس ويلقي باللوم على الآخرين”، وتابع خلال بيان له: “يعلم البيت الأبيض أنه أساء إدارة هذه الأزمة بشكل فضيع منذ البداية.. متجاهلاً تحذيرات متعددة وأهدر وقتاً ثميناً وقام بمقارنة فيروس كورونا بالزكام”.
وأبدى السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي انزعاجه من قرار ترامب، قائلاً: إن “الانسحاب من منظمة الصحة العالمية يجعل أميركا أقل أمناً، ويزيد من احتمال تفشي وباء آخر”، وأكد أن هذا القرار لا يخدم سوى المصالح السياسية لترامب، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه يائساً إيجاد كبش فداء لصرف الأنظار عن سوء إدارته لهذه الأزمة.