الحكومة الذكية تكفي المواطن باستخدام هويته الشخصية
غياب المطاحن الصغيرة الصغيرة التي كانت منتشرة سابقا في المدن والأرياف، بما في ذلك المخابز الصغيرة (التنور)، ومنع بيع الطحين للمواطن بالسعر المدعوم، حالا دون اعتماد الأسر تخزين المؤونة من القمح أو الطحين لإنتاج الخبز منزليا على غرار ما كان معهودا سابقا، وخاصة في الريف، ما جعل جميع المواطنين يترقبون الحصول على خبزهم اليومي من أقرب مخبز أو معتمد.
وبغية اجتناب استفحال واقع الخبز إثر الانخفاض الكبير لإنتاجنا من القمح، ومحاذير استيرادنا له، وثبوت حصول هدر في الخبز المنتج، إضافة إلى التخفيف من هواجس المواطن من النوع والسعر والوزن والتوفُّر، قررت السلطات المعنية أتمتة عملية توزيع الخبز لضمان تصنيع المخبز لكامل الدقيق التمويني، حسب كمية الطحين والمحروقات المسلمة له بالسعر المدعوم لهذه الغاية، ما يضمن وقف تهريب الدقيق والوقود المخصص للمخابز، وقررت تسليم كمية الخبز المنتج إلى المعتمدين المتواجدين في كل حي وقرية، ومنهم إلى المواطنين عبر البطاقة الذكية، منعا للازدحام على أبواب المخابز، متعهدة ضبط الوزن والسعر والجودة، ووصول الخبز إلى الأسر بانتظام.
نتيجة حساسية مادة الخبز التي لا تقبل التجريب كغيرها، حدثت ردة فعل كبيرة من عدة شرائح اجتماعية على هذا القرار، تخوُّفا من عواقبه، من منطلق أن الصبر الذي تحمَّله المواطن أشهر أو أسابيع على عدم حصوله على مازوت التدفئة، أو على جرة غاز، نتيجة استخدام البطاقة الذكية، لا يستطيع أن يتحمله ساعات، حال حدوث خلل أو تأخير عند استخدامها، لتأمين ربطة الخبز، التي هي حاجة يومية غير قابلة التأجيل لكل مواطن.
وبغية تطمين المواطن عن إيجابيات استخدام البطاقة الذكية في توزيع الخبز، صدرت خلال الأسبوع الماضي عدة تصريحات عن بعض المعنيين في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ومن ثم التقى الوزير مع الصحفيين، ولاحقا مع قناة الفضائية السورية، وفند إجراءات الوزارة، وأجاب على الكثير من الهواجس، ومع ذلك من حق المواطن أن يتساءل حول مقدرة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على ضمان التقيد بسعر ووزن وجودة وحجم توفر الخبز، وجودة معدات تصنيعه ومكوناته من طحين وخميرة، بعد أن ثبت قصورها وعجزها الجزئي المتكرر والمشكو منه، خلال السنوات الماضية، علما أن عجزها السابق بقي في حدود المحمول المسكوت عنه شعبيا، نظرا لتوفر الخبز من أكثر من قناة، ولكن العجز لن يكون محمولا ولا مسكوتا عنه حال حدث مع البطاقة الذكية.
حسب كلام الوزير يحق لأي مواطن الحصول على أربع ربط أو الكمية التي يريدها – لدى أي معتمد- وبالتالي ستبقى بعض أسر حي المعتمد دون خبز لوجود أشخاص من قطاعه أو من خارجه ولا يحق له رفض طلبهم، وخاصة حال كان مع المواطن بطاقة أخرى أو أكثر لذويه، وستتفاقم المشكلة في الأسابيع الأولى مع حرية حصول من لم يحمل بطاقة ريثما يحضرها، ما سيؤدي لشراء البعض لكامل مخصصات المعتمد، وانتفاء إمكانية حصول آخرين، ولا يلام المعتمد في ذلك ما يتيح فرصة متاجرة البعض في الكمية الزائدة بالسعر الزائد على الرصيف أو من وراء الجدار، لمن لم يحصلوا عليها من معتمدهم، أو بيعها للمطاعم، أو تحويلها إلى علف، وأيضا من سيضمن أن المعتمد سيعطي الـ 10% من الربط الزائدة لطالبها المحتاج لها فعلا وبالسعر الرسمي .
ومن سيلزم أصحاب المخابز الخاصة باستمرار عملها بسعر 50 ل. س للربطة وهم الذين اعتادوا بيعها بـ 100 ل. س ووزن أقل منذ سنوات، ومن سيلزم الموزعين بالقبول بـ 10 ل. س للربطة – ومنه أجور النقل – مع انشغالهم باستخدام البطاقة والجهاز والتسجيل، والكثير منهم اعتادوا أضعاف هذا المبلغ دون جهاز، ومن سيضمن نقل لخبز لهم في الموعد المحدد حال شكوا من تعثرهم في ذلك.
مشكور السيد الوزير على تعهده باعتماد صناديق بلاستيكية لنقل الخبز، ولكن ألم يأخذ في الحسبان القيمة الكبيرة لهذه الصناديق بالأسعار الحالية، والوقت الطويل اللازم لتوفير كميتها؟ ومن يلزم الموزع بإعطاء المستهلك فاتورة الجهاز والفراطة المتبقية له، علما أن البعض لم يكترث بذلك، خجلا أو خوفا من رد المعتمد، وهمه محصور في تأمين ربطة الخبز كالسابق إذ كثيرون اشتروها بأضعاف ثمنها الحقيقي، وقد يتكرر ذلك مع البطاقة؟
وأليست تكاليف إنتاج البطاقة الذكية وأسعار أجهزة التوزيع المعتمدة ذات قيمة كبيرة جدا؟ أليست الجهات الرسمية هي التي تتحمل ذلك لصالح منتجي البطاقات وموردي الأجهزة؟ أليس كل ذلك من حساب المواطن في النهاية بشكل غير مباشر؟ وهل من يعلن عن حجم هذه المبالغ الكبيرة حتى الآن؟ وما هو حجمها الشهري لاحقا؟
كم هو حري بحكومتنا أن تبحث عن مخرج آخر وما أكثر المخارج، وحقيقة الأمر أن الحكومة الذكية تكفي المواطن باستخدام هويته الشخصية، مع تقديري لمعاناة الحكومة العتيدة.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية