هل يعجّل كورونا بسقوط أردوغان؟
سنان حسن
في الوقت الذي ينشغل العالم بوباء كورونا وكيفية مواجهته واحتوائه، واصل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان ممارسة خسته السياسية ووضاعته في استغلال الأزمات لتحقيق مصالحه الشخصية، ومصالح أفراد عصابته الإخوانية الإرهابية، فبعد محاولة الانقلاب المزعومة في 2016، وما تلاها من تصفية ممنهجة لأنصار الداعية فتح الله غولن، الذين كانوا دعموه للوصول إلى السلطة، يبدأ اليوم، على وقع انتشار جائحة كورونا، حملة غير مسبوقة لتصفية ما تبقى من المعارضة التركية، مستفيداً من حالة الإغلاق والعزل المفروضة لمواجه الوباء، ومستخدماً أسوأ الأساليب وأخطرها ليبقى على رأس السلطة، فهل ينجح هذه المرة في إسكات أصوات آخر معارضيه أم سيكون لهم رأي مغاير؟.
منذ انتصار المعارضة التركية، ممثّلة بحزب الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، في الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2019 ونجاحها في العودة إلى بلديات اسطنبول وأنقرة، لأول مرة منذ 25 عاماً، رغم كل المحاولات التي قام بها أردوغان لعرقلة ذلك، انتهج الأخير وحزبه سياسية مغايرة لتعويض الخسائر الفادحة التي مني بها تمثّلت في محاصرتها وتضييق الخناق عليها بشتى الوسائل المتاحة؛ ولكن، ومع تطبيق إجراءات العزل التي فرضها فيروس كورونا، استغل أردوغان الأوضاع القائمة لتوجيه ضربة قاصمة لمعارضيه، فزاد من عملية الإقالات والاعتقالات التعسفية التي يمارسها ضدهم باستخدام ورقة الإرهاب، ولاسيما أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، حيث تمّ اعتقال وعزل أكثر من 50 رئيس بلدية، بينهم رؤساء بلديات في ثلاث مدن كبرى، وتنصيب محازبين من العدالة والتنمية مكانهم، وتارة أخرى من بوابة العمل الاجتماعي لمواجهة كورونا عبر منع البلديات الكبرى، وفي المقدمة أنقرة واسطنبول اللتين يديرهما حزب الشعب الجمهوري، من جمع أي تبرعات إلا بموافقة وزارة داخليته حصراً، وتوزيعها من خلالها، لمنع من تحقيق أي تعاطف جماهيري معه، والأخطر من ذلك وجد في كورونا نفسه فرصة للتخلص من المعارضين الموجودين خلف القضبان، إما جسدياً من خلال الإهمال في تطبيق الإجراءات الاحترازية حيث تم الكشف عن “موت ثلاثة سجناء في أحد المعتقلات من أصل سبعة عشر مصاباً”، أو من بوابة مرسوم العفو الذي صاغه على مقاس حلفائه، حيث استثنى الكتّاب والإعلاميين والسياسيين المعارضين له، وسمح بخروج المجرمين، مما أثار موجة من الانتقادات لم تتوقّف عند حدود تركيا، بل تعدتها إلى المنظمات الأوروبية والأممية، التي وجدت فيما يقوم به أردوغان عملية للتخلص من خصومه، هذا عدا عن توسيع نفوذه على وسائل الإعلام وحجب قنوات المعارضة، ومحاولة تمرير قانون يفرض رقابة أكبر منصات التواصل الاجتماعي.
ورغم كل هذه المحاولات على خطورتها وتأثيرها على الواقع السياسي التركي، ومحاولة تعزيز حضور العدالة والتنمية وتحجيم خصومه، إلا أن الأزمة التي انفجرت بوجه أردوغان بعد استقالة وزير داخليته سليمان صويلو على خلفية فرض حظر التجوّل، أعادت تسليط الضوء على فشل أردوغان وعصابته في إدارة ملف كورونا، أولاً: حيث وجدت المعارضة فرصة لتوجيه انتقاداتها الحادة له ولوزرائه، الذين حوّلوا تركيا إلى مزرعة لهم، وثانياً: الاستقالة كشفت النار التي تحت الرماد والصراعات داخل العدالة والتنمية، وخاصة الخلاف بين صهره وزير المالية بيرات البيرق وصويلو، لتعيد إلى الذاكرة ما حدث مع عبد الله غول، وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان وغيرهم من القيادات الحزبية التي أقصاها أردوغان ليبقى في المقدمة.
وعليه فإن الظروف التي تمر بها تركيا، داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً، ستكون البوابة الرئيسية في الانتخابات البلدية والرئاسية القادمة، والتي ترى فيها المعارضة، على الرغم من كل التضييق التي يمارس عليها، فرصة لاستعادة المبادرة والسلطة، فما حدث في انتخابات بلدية اسطنبول والفوز التاريخي الذي حققه أكرم إمام أوغلو في جولتين يؤكّد أن زمن أردوغان اقترب من الأفول، فالتاريخ يقول أن من يفوز في اسطنبول سيكسب معركة الرئاسة، فهل تكون الانتخابات القادمة نهاية حقبة العدالة والتنمية؟.