الدراما السورية الرمضانية.. هل تخطت آثار الأزمة؟
تعود الدراما السورية، هذا الموسم، إلى سابق تنوعها وتجديدها عبر مجموعة من الأعمال التي حجزت مكانا لها في العرض الرمضاني القادم، بعد أن تقوقعت خلال السنوات التسع الماضية في ظروف الأزمة السورية وتداعياتها، حيث أشبعتها قراءة وتحليلا واستنتاجا من مختلف الجوانب. سواء في المسرح أو السينما، والتلفزيون.
ولأن الحرب على سورية أصبحت من الماضي، رغم قسوة تداعياتها التي مازالت تجلدنا يوميا، فإن الحياة لابد وأن تستمر وتعود إلى صيرورتها المعتادة، وهذا مابدأ يتضح جليا من خلال الدراما السورية التي بدأت تنفض عن نفسها غبار الحرب والدمار وتعود إلى حلتها الجديدة والمتجددة من خلال مجموعة أعمال متنوعة منها الاجتماعي والتاريخي، وحتى البيئي المحلي، والبدوي الذي أفل نجمه منذ زمن، فمن يتتبع المواضيع والقضايا التي تطرحها دراما هذا الموسم لابد وأن يلفت نظره الغياب شبه الكلي لأزمة السنوات العجاف عن دائرة الضوء الدرامية، وهي بادرة قد تبشر ببداية تعافٍ من جراحات الماضي وتأسيس انطلاقة جديدة للحياة.
ففي مسلسل “شارع شيكاغو” تأليف وإخراج محمد عبد العزيز، نعود إلى ستينيات القرن الماضي عبر حكاية مشوقة لفتاة تدعى ميرمار تهرب مع شاب اسمه مراد عكاش، تسكن في شارع دمشقي معروف اسمه شيكاغو وتعيش هناك صراعا ينتهي بجريمة قتل غامضة تتكشف خيوطها تدريجيا ليتنقل بنا العمل بين الماضي والحاضر ضمن مسار درامي مشوق يعكس قصص الحب والجمال والتضحية.
كذلك في مسلسل “مقابلة مع السيد آدم” للمخرج فادي سليم، هناك دراما اجتماعية بوليسية مضمونها قضية الاتجار بالبشر عبر حكاية طبيب شرعي يتابع، بعد اعتزاله المهنة، ملابسات جريمة غامضة مقتل فتاة مصرية تعيش في سورية تتكشف خيوطها بفضله، رغم المخاطر والتهديدات التي تعترضه.
وتدخل الدراما السورية إلى حرم الجامعة وسكن الطلاب في “الجوكر” للمخرج جمال الظاهر، والمؤلف ماجد عيسى، لترصد خفايا العلاقات السائدة فيه والجنايات والجنح المرتكبة من خلال حكاية حارس يعيش مع زوجته ضمن الحرم حيث تبدأ رحلة البحث عن مرتكب لمجموعة من الجرائم الغامضة.
“يوما ما” للمخرج عمار تميم دراما اجتماعية تدور حول فتاة تغادر عائلتها لتعيش في بيئة مختلفة سنوات طويلة تشهد فيها الكثير من المعاناة والتبدلات الحياتية.
وهناك قصة حب تبدأ في لقاء عابر بين شاب وفتاة في مسلسل “بورتريه” للمخرج باسم سلكا والمؤلف تليد الخطيب، لكن هذا الحب يصطدم بأحقاد ماضية دفينة بين عائلة العاشقين ترخي بظلالها على مستقبل حبهما، ويبرز العمل أهمية الحب في ترميم النفوس وتنقيتها من رواسب الماضي.
وللسيرة الذاتية مكان في دراما هذا العام، من خلال مسلسل “حارس القدس” للمخرج باسل الخطيب والكاتب حسن م يوسف، ويتناول سيرة حياة المطران هيلاريون كابوتشي الذي عرف بمواقفه ومآثره الوطنية والنضالية فيما يخص القضايا العربية لاسيما القضية الفلسطينية، ويعود العمل إلى طفولة المطران الحلبي المولد، مرورا بمرحلة دراسته اللاهوت والفلسفة في دير الشير بلبنان. ويرصد أهم مواقفه النضالية.
كما تعود دراما البيئة الشامية لهذا العام بحلة جديدة تميل فيها نحو الواقعية مبتعدة، إلى حد ما، عن “الفانتازيا” المعهودة سابقا ، في مسلسل “سوق الحرير” لبسام ومؤمن الملا، والكاتبة حنان مهرجي. و”بروكار” للمخرج محمد زهير رجب والكاتب سمير هزيم، الذي يرصد مرحلة الأربعينيات بأسلوب ورؤى أكثر قربا من الواقع.
كما نشهد عودة للبيئة البدوية التي أفل نجمها منذ بدايات هذا القرن عبر مسلسل “صقار” للمخرج شعلان دباس والكاتبة دعد الكسان، لكنه لايخرج عن الثيمة الأساسية التي راجت بها الدراما السورية والأردنية تحديدا نهايات القرن الماضي بالنسبة لقصص الحب والثأر والغدر.
لكن اللافت في موسم هذا العام غياب الدراما الكوميدية بعد تعثر استكمال تصوير لوحات بقعة ضوء ومرايا ياسر العظمة العائد بعد غياب سنوات، لتقتصر الجرعة الكوميدية الساخرة على لوحات “ببساطة 2” للمخرج تامر اسحق.
وهكذا نجد من خلال رصد تلك الأعمال القادمة تجاوز الفنون عموما مخلفات السنوات الماضية، والعودة التدريجية لرصد الحياة والمآثر التاريخية واليومية لسابق عهدها، لعل ذلك يكون بادرة أمل بقرب شفاء جراحات تلك السنوات ومحو آثارها.
آصف إبراهيم