ثقافةصحيفة البعث

عازف المزمار في ثقافة أطفالنا..

كثير من الهوى في حبّ شيء ما يحتاج لعازفٍ محترفٍ يرافق نبض قلبنا في تلك الرحلة الشائقة، وعازف مزمارنا، ها هنا، كانت رحلته وهو يصطحب أطفال مدينة هاملن من أقسى الرحلات على قلوب ذويهم حسب الوصف المؤثر الذي جادت لنا به القريحة الأدبية العالية لحكاية من حكايات الشعوب.

كيف كانت رحلة عازف المزمار الأخيرة؟ ولماذا نبشنا ذكراها في هذه الآونة بالذات؟ من بيت عازف المزمار…

ينتصب في وسط مدينة هاملن الألمانية منزل جميل يسمى منزل عازف المزمار، وليس سبب التسمية أن عازف المزمار كان يقطن هذا المنزل ولكن يرجع السبب إلى وجود لوح أسود من رخام على أحد أطراف المنزل مكتوب عليه: “في 26 حزيران عام 1284 ميلادية.. في يوم عيد القديسين جون وبول، مائة وثلاثون طفلا من أطفال هاملن خدعوا واقتيدوا إلى خارج المدينة على يد عازف مزمار يرتدي ملابس ملونة، وبعد أن عبروا التلال في كوبنبيرغ اختفوا إلى الأبد.”

الحكاية

كلنا نعرف حكاية عازف المزمار من التراث الألماني القديم التي تتحدث عن تعرض مدينة هاملن -الواقعة على نهر فيسن الشهير هناك- لهجوم جماعات كبيرة من الجرذان واستيطانها في تلك المدينة، حتى ضاق الناس ذرعاً بالجرذان وقذارتها، وبذلوا كل غال ونفيس في سبيل التخلص من تلك الجائحة الخانقة، التي أضرت بهم وبمنازلهم ومحالهم حتى أن الأمر وصل بهم إلى قرار ترك المدينة للجرذان والذهاب إلى الريف المجاور والسكن فيه، ووضعوا جائزة ضخمة لمن يأت بفكرة للتخلص من الجرذان بشكل كلي وناجع، فقدم عازف للمزمار وقام بالنفخ في مزماره ليجتذب بموسيقاه جرذان المدينة إلى حافة النهر ويتركها لتسقط وتموت غرقاً، فلما اطمأن أهل المدينة وعمدتها لخلاصهم من الجرذان، ولكي يتهربوا من دفع قيمة الجائزة الكبيرة لفقوا تهمة الدجل والشعوذة والسحر للعازف وزجوا به في السجن، فلما خرج من زنزانته ما كان منه إلى أن نفخ في مزماره وبدأ يعزف لحناً جديداً واقتاد في هذه المرة كل أطفال المدينة نحو المجهول عقاباً لأهلهم وغاب.

 الغاية من طرح الحكاية

كثر في هذا الزمن ألِف عازفين للمزمار استباحوا حرمة الثقافة الخاصة بأطفالنا فراحوا يعزفون ألحاناً، بالنسبة لهم تطرب لها آذان أمثالهم، وبالنسبة لنا نشاز سيء النغم يفضي إلى تلوث في الذائقة الفكرية والبصرية لأطفالنا، وتأخذ أطفالنا وعقولهم وذائقتهم البصرية إلى أماكن مجهولة، قد لا يعي تضاريسها وصعوباتها النفسية والفكرية أولئك العازفون أنفسهم.

ولنا أن نعدد من عازفي المزامير ما شئنا من اللاعبين اللاهين وغير المتقنين لفن وحرفة صناعة الثقافة الحقيقية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

– العازفون على مزامير التقليد الذين يمشون حذو التقليد والتبعية العمياء للنصوص الأجنبية فيغربون ثقافة أطفالنا ويغربون ذائقتهم.

– العازفون الذين يتقنون العزف في منحى اللغة البصرية الساذجة والرديئة والأخطر من ذلك السارقة، التي تمتهن نسخ اللوحات لرسامي قصص الأطفال العالميين، ومن ثم يمهرونها بتواقيعهم على أن ذلك سبق فني رائد، ولعمري ما هو إلا أدنى وأخس درجات السرقات، لأن سرقة المال تعوض أما سرقة فرح المُهج والأفئدة والعقول فأنى لنا تعويضها.

– العازفون الذين ينحتون كلماتهم بتقعير غرائبي يشتت ذهنية الطفل ويجعله لا يفهم تسلسل الحدث ولا فحوى الرسالة .

– العازفون الذين يستنسخون خططاً ومقالات ثقافية تعنى بالطفل في مجتمع ما بعيد كل البعد عن نسيج وثقافة مجتمعنا، ليصبوها صبّا في قالب مجتمعنا وبيئتنا وليتم تطبيقها قسراً على أذهان أطفالنا، من قال لكم أن القصة التي تتحدث عن ثقافة البعيد تليق بثقافة طفلنا، كيف بالله عليكم نجعله يتعلق ببائع (الهمبرغر) الأمريكي على أنه نموذج يقتدى به، وفي جواره يقطن بائع لأكلاتنا الحبيبة، منتمٍ لطقوسنا الحميمية، يمتلك كل ما يمكن ليكون بطل حكاية تتحدث عن النبل والطهر والحياة السورية.

لنكسر المزامير التي تمتد إلى ذائقة أطفالنا بألحان الضياع والتشرذم – ضياع الهوية وضياع اللغة وضياع المحتوى البصري الراقي – ولنبدأ بحثاً جاداً عن عازفي ناي حنون يمتلكون كل خصوصية وحنان القصب السوري.

قصب الخطاطين السوريين والعازفين السوريين المهرة

لنكتب على جباه أطفالنا ثقافة تليق بهم عنوانها: (يليق بالسادة السوريين الصغار ألق الحياة) وليسقط عازفو المزامير الرديئة.

رامز حاج حسين