من سيخرجنا من هذا الجحيم؟!
لينا أحمد نبيعة
هي عدوة الأماكن المزدحمة، عدوة البريستيج الكاذب، و الأشخاص المستهلكين والمتذبذبين، و العلاقات العابرة للأوقات والمشاعر، لا تعنيها الاجتماعات المليئة بالنفاق والثرثرة كالصبحيات والظهريات وما لف لفهما، مسكونة بالنظافة حد الهوس، فهي تعاني من وساوس قهرية تخص النظافة كأي مريضة غاضبة منكرة ومكابرة ..
قبل جائحة كورونا سيئة الذكر، كانت تغسل يديها بالصابون ثلاث مرات في الساعة، وإن لم تطمئن تعيد الغسل وتتبعه بمعقم كحولي، قبل كورونا كانت تتجنب تقبيل الصديقات ما أمكن بحجج مختلفة، كالتهاب القصبات أو أنفلونزا موسمية، وإن نفدت الأعذار الصحية استعانت بالأعذار التي لا تخطر ببال أحد سواها .
قبل كورونا كانت حفلات الزفاف لا تعنيها أبداً، حيث كانت تعتقد أن الزفاف شأن ثنائي كالطلاق تماماً، حتى صالات العزاء لم تذهب إليها إطلاقاً رغم وفرة الموت في السنوات الأخيرة، واقتصر حزنها على أي عزيز بالاستماع بتأثر مبالغ فيه إلى أغنية (شلون أودعك يا العزيز) فما عادت منذ قهر ونيف تجيد البكاء.. لم تكن تعلم بأنها في حجر من أمرها دون أدنى انتباه.
قبل تسونامي كورونا الذي أصبح شأناً عالمياً، كانت تغلق باب بيتها ونوافذه وشرفته، كعاشقة تراهق بعد فوات الأوان، تقضي الوقت بتقليب صفحات الانترنت وشاشات التلفزيون، ختمت أكثر من مرة كل أغاني أم كلثوم بكل الأصوات .
قبل زمن كورونا الذي يصلح للحب أيضا مثل زمن الكوليرا، كانت تخشى الموت بالسرطان أو الموت بصمت بالسكري، أما الآن في عصر كورونا وما بعد كورونا، فهي تفكر جدياً بالذهاب إلى طبيب نفسي للعلاج من كل ما سبق، ومن السؤال الذي يدوخ رأسها ليلاً ونهاراً: “من سيخرجنا من هذا الجحيم ويعطينا كلاماً صافياً – من الآخر!! – عن حقيقة كورونا؟!” فللانتظار رائحة الموت الرطب في بيت أعزب، لم تختر أبدا الحجر وانتظار المجهول بين أربعة أقدار، ولكن الريح أغلقت الباب بكامل قسوتها.