لنعمل من البيت بعد أن قلّص الحظر فرص العمل.. “جمعية التسويق” تشجع على مشاريع صغيرة تديرها الأسر!!
تتجه الأسر والأفراد حول العالم للبحث عن فرص جديدة واستثنائية للعمل والإنتاج (من داخل البيوت)، بعد أن قلصت “الإقامة الجبرية”، التي فرضها فيروس كورونا، هامش الحركة مكانا وزمانا أمام هؤلاء.. ولأنه لا بديل عن العمل، بات الجميع يفكر في البحث عن مخرج يوازن بين تأمين مصدر دخل وضمان حدود معقولة من الوقاية والاحتراز، فكيف لنا أن نتعاطى مع بيئة العمل الجديدة؟ ومن أين يجب أن نبدأ؟ وما هي المشاريع والأفكار الأولى بالاستثمار؟
بدأت بعض الأسر- الأكثر احتياجا على وجه التحديد – بالعمل على مشاريع منزلية بسيطة، لكن مازال أمامها الكثير من التطوير والتسويق، لتصل إلى بلورة إنتاج ذي قيمة. وقد تحرت “البعث” عن مثل هذه المشاريع، عبر سؤال بعض الشرائح الاجتماعية، وتبين أن أسرا صنّعت بعض مستلزمات الوقاية من الفيروس، مثل خياطة الكمامات التي لا يحتاج إنتاجها الكثير من التكاليف حيث اعتمدت على أقمشة وخيوط تربيط رخيصة، فيما أنتجت أسر أخرى محاليل التعقيم والتنظيف، وثالثة سوقت أطعمة محفوظة وغذائيات، ولكن ظل ضعف الدعم وغياب قنوات التصريف أكبر مشكلتين تعوقان التوسع في هذه الأعمال، التي شكّل الجيران والمقربون أبرز عملائها.
جمعية التسويق تدخل على الخط
ثمة فلسفة خاصة تتبناها وتروج لها الجمعية السورية للتسويق، وهي ترتكز بداية على مساعدة الناس ليساعدوا أنفسهم، ما يعني خلق مشاريع صغيرة، وربما متناهية الصغر، تكون مدرة للدخل، وتستثمر طاقات وإمكانات الأسر، اعتمادا على مواد أولية متوافرة ومتاحة، لإنتاج سلع تستهدف زبائن معروفين ومتشابهي الاحتياجات على الأغلب، وبالتالي لا حاجة لعمليات التسويق التوزيع التقليدية.
وترى الجمعية في السلل والمساعدات الغذائية المقدمة للأسرة المحتاجة إطعاما للسمك، لا تعليما للصيد، لذا لا بد من إعادة توجيه العمل الخيري والاجتماعي وجهة تستهدف تنمية الأنشطة العائلية؛ فمثلا، لو وزع بذار الخضار على الأسر لزراعته في الحدائق وعلى الأسطح والشرفات، لسدت هذه الأسر جزءا مهما من احتياجاتها، ولوفرت ملايين الليرات السورية، وأثرت في الأسعار السائدة في الأسواق، وطورت ثقافة الإنتاج، وملأت أوقات الفراغ في أعمال نافعة، بدلا من ملئها في الترفيه والتسالي غير المجدية.
مزايا تنافسية
يقول رئيس مجلس إدارة الجمعية المهندس حسام نشواتي إن دولا كثيرة، حول العالم، تعتمد على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، فيما لاتزال هذه المشاريع مهمشة في العالم العربي، ففي حين تصل نسبتها في اقتصادات بعض الدول الغربية إلى 90%، فإنها لا تتعدى في الاقتصادات العربية 30%، علما أنها تعد من المشاريع التي يسهل إطلاقها، جراء توافر عديد المزايا التنافسية فيها، سيما لجهة:
– تكاليف الإنتاج والعمالة المنخفضة، بل والمعدومة في بعض الأحيان.
– الوقت المتاح للإنتاج، والذي لا ينحصر بساعات عمل محددة.
– أدوات إنتاج بسيطة ومتوافرة.
– مرونة في الإنتاج وخدمة الزبائن.
فضلا عن الكثير من المزايا الأخرى التي تجعلها تتخطى العقبات والمشكلات التي يمكن أن تتعرض لها هذه المشاريع، وفي ظل أزمة “كورونا” الحالية، ومع توقف أغلب الأنشطة التجارية والصناعية، فإن مثل هذه المشاريع يكتسب أهمية خاصة.
أربعة أنواع ..
تنقسم المشاريع المنزلية، وفقا لنشواتي، إلى أربعة أنواع تختلف حسب الإمكانات والمهارات المتوافرة، وهي: مشاريع إنتاجية، مثل الخياطة وتصنيع الملابس، والصناعات الغذائية التي تمتاز بها سيدات البيوت من المربيات والكونسروة والمونة وبعض أنواع المأكولات والطبخ والكبب بأنواعها والحلويات والكاتو وغيرها الكثير.. وتصنيع مواد التنظيف والتعقيم ومتمماتها التي تحتل حاليا مكانة مهمة في الأسواق، نظرا لارتفاع الطلب عليها.. ثم هناك المشاريع التجارية كتأمين مستلزمات واحتياجات المستهلكين من السلع غير الاستهلاكية كالألبسة والأحذية والأدوات الكهربائية والخردوات، وبيعها للجوار أو عن طريق الفيسبوك مع مراعاة إجراءات التباعد والوقاية الصحية، والتسويق الإلكتروني للمنتجات والشركات والمشاريع المنزلية، مع بيعها وإمكانية توصيلها وفق مشاريع التوصيل إلى المنازل.
أيضا، هناك المشاريع الخدمية، مثل: التدريب والتعليم التفاعلي، توصيل الطلبات والمستلزمات، خدمات المحاسبة ومراجعة الحسابات، الدراسات والأعمال الفكرية، سداد الفواتير والدفع الالكتروني.
وأخيرا، المشاريع المهنية، كأعمال الصيانة الكهربائية والالكترونية، والنجارة والحدادة والحلاقة والأعمال المنزلية الأخرى، وأعمال التعقيم للمنازل والمؤسسات، علما أن هذه المشاريع وغيرها هي عبارة عن نواة لمشاريع كثيرة يمكن البدء بها من خلال معرفة احتياج الشريحة المستهدفة والمهارات والخبرات والإمكانات المتوافرة لدى أصحاب المشروع.
وكمثال حي على هذه المشاريع، يقترح نشواتي مشروع الخبز المنزلي؛ ففي بعض المناطق التي يصعب فيها تأمين الخبز الجيد، من الممكن تأسيس أفران منزلية صغيرة في كل حي، بحيث تنتج أسرة ما الخبز، وتوزعه أسرة أخرى، وبالتالي توفير خبز طازج وجيد، وبدون تكاليف نقل، ويمكن التعاون مع لجان الأحياء لتأمين المواد الأولية اللازمة.
ماذا عن التدريب والتمويل!؟
تبدي الجمعية استعدادها لمساعدة الأشخاص على بدء في مشاريعهم المنزلية، لأنها تعد حاجة ملحة للنهوض بالاقتصاد، وتأمين دخل مناسب للأسر، حيث أسهمت في إنجاح عديد المشاريع، خاصة الريفية التي تقدم منتجات تحتاجها المدينة، وبالتالي تطوير هذه المنتجات وأدوات العمل وقنوات البيع، وقد حققت هذه المشاريع نجاحاً جيداً، وبدأت تأخذ مكانتها في الأسواق المحلية.
ويؤكد نشواتي أن مشكلة التمويل هي من أبسط المشكلات التي قد تواجه المشاريع المنزلية، لأنها لا تحتاج إلى الكثير من الأموال، بقدر ما تحتاج إلى مهارة كافية في الإنتاج والخدمات والعلاقات التجارية، وفي حال وجود مشاريع تحتاج إلى تمويل، ولا يستطيع أصحابها توفيره، فيمكن الاستعانة بالجمعيات الخيرية والمنظمات، أو مؤسسات التمويل الصغير، أو حتى عن طريق المستفيدين من المشروع، بحيث يكون التمويل جزءا مقدما من ثمن المنتج أو الخدمة، وهذا يحتاج إلى مصداقية وجدية وحرفية ووعي كاف في المشروع كشرط للحصول على ثقة العملاء.
وهكذا، تشكل فترة الحظر المنزلي فرصة جيدة لاستثمارها في أعمال مفيدة، ولتطوير دخلنا ومهاراتنا ومعارفنا، فالفرص تولد من رحم الأزمات.
أحمد العمار