بعد كورونا : هل قدَّمت الصين أوراق اعتمادها ؟؟
ريا خوري
نجحت جمهورية الصين الشعبية نجاحاً كبيراً في السيطرة والقضاء على فايروس كوفيد 19 ( كورونا ) في مدينة ووهان الصناعية الضخمة والمدن المحيطة بها. هذا النجاح لفت أنظار العالم أجمع، وليس هذا فحسب بل قدَّمت الصين نفسها كدولة عملاقة وكقطب كبير في العالم عندما انتقلت لتقدِّم خبراتها ومساعداتها الكبيرة إلى معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وظهرت للعالم أجمع أنها تملك من القدرات التكنولوجية والعلمية واللوجستية الضخمة جداً الشيء الكثير، حيث تفاجأ العالم بما تتمتع به الصين من إمكانيات هائلة، ما يعني أن التنين الأصفر رفع رؤوسه السبعة عندما شعر بأنَّ عليه أن يتحرَّك بمثل تلك السرعة والقدرة لمحاصرة وباء كوفيد 19 ( كورونا ) والقضاء عليه بسرعة مذهلة.
كل هذا يؤكد أنَّ التنين الأصفر بدأ خطوات متسارعة في المنافسة على زعامة العالم وجاء بمنزلة ( أوراق اعتماده ) كقطب أقوى من الولايات المتحدة الأمريكية التي أثبت وباء كوفيد 19 ( كورونا ) هشاشة قوتها . ولهذا بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بمهاجمة الصين واتهامها بأنَّها هي التي صنَّعت الفايروس ونشرته في حرب بيولوجية لا أخلاقية . ترافق ذلك مع نشر حجم الخسائر المالية الضخمة التي فقدتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي من أجل تحميل جمهورية الصين الشعبية المسؤولية الكاملة كي تدفع كامل الخسائر والتعويضات التي فقدتها تلك الدول. وكان من بين الاتهامات أنَّ الصين تكتمت على انتشار الوباء في البداية ، ثم قلَّلت من أهميته وخطورته وهو ما أشاع نوعاً من التقاعس والتراخي في مواجهته. كما كان هناك اتهامات متبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشأن من كان سبباً في ظهور الوباء وانتشاره عن طريق الخطأ البشري أو كسلاح بيولوجي فتَّاك، مع العلم أنَّ هذه النزاعات قد تمتد طيلة حياة هذا الجيل، وربما حيوات أجيال متعاقبة بعده من دون أن نصل إلى حقيقتها المؤكدة، لكن يبقى الأمر المؤكد هو أن التنين الأصفر قد أدار معركة وباء كوفيد 19( كورونا ) وتبعاته بطريقة ناجحة جداً وبأقل الضحايا والخسائر ، مقارنة بما شاهدناه في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.
لقد أدارت جمهورية الصين الشعبية جائحة كوفيد 19 ( كورونا ) بطريقة حاسمة ودون تهاون في مقاطعة ووهان ومحيطها من خلال فرض الحجر الصحي على 60 مليون شخص، كما فرضت حجراً كاملاً وشاملاً للتجوال داخل المدن والضواحي والقرى لمنع تفشي الوباء، وقامت بإجراء العزل القوي والصارم لمقاطعة( هوبي ) من أجل منع تسرّب الوباء خارجها. وهذه المقاطعة تقع وسط الصين التي يبلغ عدد سكانها ( 1400 مليون نسمة ) ، ولو تسرَّب الفايروس وانتشر لكان قد شكَّل خطراً تصعب السيطرة عليه ولكان عدد الضحايا قد وصل إلى الملايين . ومن أجل مزيد من السيطرة والعلاج قامت الصين بتجهيز مئات المشافي بمدة زمنية قصيرة جداً وبنت مئات المشافي الحديثة جداً والمجهزة بأحدث المعدات الطبية التي تنتجها المصانع الصينية التي ضاعفت إنتاجها بشكلٍ مذهل، مثل كواشف الحرارة الالكترونية عن بُعد، وأجهزة تنفس اصطناعي، ومواد وأدوات تحليل، كما نصبت كاميرات حرارية في الشوارع والساحات والأماكن المكشوفة التي ترصد الحرارة المرتفعة لأي شخص ووو إلخ . كما قامت الحكومة الصينية بإجراءات مستعجلة لجيوشها الطبية وتأمين طواقم التمريض والمدربين والفنيين المزودين بملابس واقية من أي فايروس، إضافة إلى القفازات والكمامات، وكانت فرق أخرى متخصصة تعمل على توزيع كميات ضخمة جداً من القفازات والكمامات على مئات الملايين من المواطنين، واستخدمت أحدث الروبوتات المتطورة على أوسع نطاق وهذا فاجأ العالم، حيث عملت هذه الروبوتات على مساعدة طواقم الإسعاف والتمريض في الكشف عن المرضى وتوزيع الطعام والدواء والحاجيات الضرورية في البيوت لغير القادرين على الحركة من كبار السن والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة. تلك الروبوتات المزودة بكاميرات عالية الدقة تعمل في المجال الطبي بدقة هائلة، وتكشف حالة المريض صحياً أو من كان مخالطاً للمريض، أو مشتبهاً بأنه مصاب بالفايروس بحيث يمكن التعامل مع الحالة بشكل سريع دون أي تأخير وهذا ما أظهر القدرة الفائقة على تعبئة الموارد البشرية من أطباء وفنيين وممرضين وأجهزة طبية، وبالتالي يؤكد دون ريب القدرة الكبيرة جداً على الإدارة المركزية التي تجابه معركة الوباء.
كان دور الصين عظيماً بكل المعايير في كشفه وتصديه لفايروس كوفيد ( كورونا )، هذا الدور كشف هشاشة وضعف النظم الطبية في أغلب دول الاتحاد الأوروبي الكبرى التي اجتاحها الوباء التي تباطأت في التصدي للفايروس ولم تتعامل معه بمسؤولية كبيرة ، وتفادي الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تصيبها، فضلاً عن حجم الضحايا البشرية الكبير التي لا يمكن مقايضتها بالأموال والأرباح. كما أنها ،أي الدول الأوروبية، لم تكن جاهزة من الناحية الطبية والإدارية لمواجهة هذا الوباء، ولم يكن أمام تلك الدول إلا اللجوء إلى الصين لمساعدتها من خلال صفقات تجارية هائلة.
إنَّ هذا الدور الكبير للصين (التنين الأصفر) قد عزز مكانتها الدولية ودعم طموحاتها الكبيرة للوصول إلى القطبية في منافستها مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن علينا أن نتريث في التقدير، كون هذا الأمر يحتاج إلى المزيد من الوقت .