تحقيقات

فترة الحجر الصحي.. أوقات طويلة دون استثمار.. وهروب شبابي من القراءة

ما إن أصدرت الحكومة قراراً بإيقاف الدوام في المدارس والجامعات حرصاً على سلامة الطلاب من انتشار فيروس كورونا حتى بدأ الطلاب بعقد مراسم الاحتفال بمناسبة حصولهم على عطلة رسمية لم تكن تخطر على بالهم، خاصة أن جميع الأعياد والمناسبات هذه السنة تأتي في أيام الجمعة والسبت، الأمر الذي خلق حالة من الكآبة لدى هذه الفئة نتيجة الدوام غير المنقطع بنظرهم، لكن الواقع الذي لمسناه خلال هذه العطلة كشف عن غياب الوعي الكامل عن شبابنا غير المبالين بقيمة الوقت الذي لم يعد في الوقت الراهن كالسيف، لنجد الحارات والأزقة تعج بهم خلال فترة النهار دون أدنى شعور منهم بأية مسؤولية!.

هدر الوقت
لم تتصدر قراءة الكتب والمطالعة قائمة النشاطات التي يقوم بها شبابنا خلال فترة الحجر الصحي، بل على العكس لدى تواصلنا مع عدد من هذه الفئة أكدوا أنهم لم يصدقوا قرار إغلاق الجامعات مؤقتاً كي يرتاحوا من الدراسة ومن قراءة الكتب، إذ أصبحت القراءة تشكّل الهم الأكبر لنسبة لا يستهان بها من هذا الجيل، في المقابل تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي قائمة مهدرات الوقت خلال فترة الحجر الصحي بنسبة 32.1 في المئة، منحّية بذلك التلفاز والموبايل اللذين كانا وسيلتي التسلية الرئيستين سابقاً، وفق ما جاءت به دراسة عربية، مؤكدة أن هدر الوقت بالموبايل احتل المرتبة الثانية بـ 22.5 في المئة، ومن ثم الثرثرة بنسبة ثمانية في المئة، بينما استحوذ التلفاز على نسبة 6.7 في المئة، واحتل النوم نسبة 5.6 في المئة، وجاء السهر أخيراً في قائمة مهدرات الوقت بنسبة 3.6 في المئة، إذ اعتبره مستطلعون أحد الأسباب الرئيسة في عدم الاستفادة من الوقت، خصوصاً إن كان السهر على التلفاز، أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

سلوكيات خطيرة
دراسات كثيرة أجريت حول مواضيع تتعلق بالشباب، ولعل أبرز الدراسات تلك التي تحدثت عن طاقات الشباب المهدورة، حيث رأى علماء الاجتماع أن وجود متسع من وقت الفراغ لدى أعداد كبيرة من الشباب يؤدي إلى الانخراط في أشكال اللهو والعبث، أو يصل بالشباب إلى حالة من اللامبالاة وانعدام المسؤولية التي قد تنمي في الشاب عادة الإهمال، إضافة إلى عادات سلبية كالكسل والتراخي، ويمكن أن يذهب الملل بعيداً بفكر الشاب، ويدفعه نحو سلوكيات اجتماعية خطيرة، أو يذهب به إلى ما هو أبعد من ذلك، فيجره إلى الجريمة بمساعدة رفقاء السوء، وهو ما لاحظناه في عدد من المناطق السورية خلال الشهر الماضي، حيث كثرت جرائم القتل والسرقة نتيجة الوضع المعيشي السيىء، وانحدار شبابنا إلى الهاوية نتيجة الوقت الزائد الذي تم استغلاله بالطريقة الخاطئة.

السيطرة على الذهن
تجد الأستاذة فريال حمود، “تربية وعلم نفس”، أن استغلال وقت الفراغ لجيل الشباب شكّل خلال السنوات الأخيرة هاجساً للكثير من العلماء في الدول المتقدمة، إذ يؤدي هذا الوقت المهدور للوصول إلى أعلى درجات التوتر النفسي، وأجمعت الدراسات على أن وسائل التواصل الاجتماعي قضت على عقول الشباب، وأفرغتها من التفكير والتركيز، وأبعدت هذه العقول عن حب الاطلاع والتحفيز للاكتشاف والابتكار، واليوم في ظل الوباء الصحي الذي نعيشه، وضرورة التزام الجميع في المنزل، نجد أن أغلب شبابنا لم يبتكروا طرقاً لتمضية الوقت الناجم عن هذه العطلة، بل على العكس تماماً، فقد تكرّس كل تفكيرهم على تصفح مواقع التواصل، وإجراء محادثات لا تحوي سوى الثرثرة واللهو ومضيعة الوقت عبر الواتس، وتنزيل برامج الألعاب، وغيرها من الأمور التي يمكن تصنيفها تحت اسم “هدر الذهن والوقت”، لذا وجب وجود توعية إعلامية وتربوية وأسروية لما تسببه هذه الوسائل وغيرها من الأمور من أضرار صحية ونفسية واجتماعية ومادية، وقدمت حمود مجموعة من النصائح لجيل الشباب يمكنهم الاستفادة منها خلال فترة الحجر الصحي، فمن الممكن استغلال الوقت بتعلّم لغة جديدة عن طريق تنزيل بعض التطبيقات عبر الأنترنت، كذلك تخصيص وقت لممارسة التمارين الرياضية في المنزل، وتعلّم تمارين التأمل التي تساعد على الاسترخاء، وبالتالي تعزيز جهاز المناعة، إضافة إلى القراءة التي تعد وسيلة هامة لكسر الملل والروتين، والانتقال للعيش في عالم الرواية التي تقرؤها، وبالتالي الهروب من الملل المصاحب للحجر المنزلي، كذلك يمكن لهذه الفئة الاستماع إلى الموسيقا التي تريح الأعصاب، وتنقي الذهن، وتكسر الروتين، وتملأ وقت الفراغ المهدور، فتأتي أهمية استغلال وقت الفراغ والاستفادة منه في هذه الأنشطة من حيث إمكانية تحقيق العديد من الحاجات الأساسية للفرد بممارسة العديد من الأنشطة المفيدة له في وقت الفراغ، إذ يتمكن الفرد من إشباع حاجاته الجسمية والاجتماعية، وحاجاته العلمية والعقلية من خلال اكتساب المزيد من الخبرات والمعارف والمهارات.

ميس بركات