دراساتصحيفة البعث

فات أوان الاعتذار من إيطاليا..!

ترجمة: علي اليوسف

عن موقع غلوبال ريسيرتش 17/4/2020

تأثرت إيطاليا بالفيروس التاجي أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، ووصلت الإصابات فيها إلى أكثر من 168000 حالة مؤكدة، و 22000 حالة وفاة. ورغم الألم الذي ألم بهذا البلد الجميل، إلا أن الحزن الأكبر تأتى عندما تخلت دول أوروبا عنها وتركتها وحيدة تواجه مصيرها.

خلال الأيام الأولى للأزمة في مواجهة الوباء، كانت الحاجة ماسة إلى تحرك أوروبي، لكن للأسف فكر الكثير، وخاصة ألمانيا، في مشاكلهم الخاصة، وتركوا أبناء جلدتهم وحيدين يواجهون مصيرهم. صحيح أن المسافة الاجتماعية أمر لا بد منه بين الأفراد لمنع انتشار الفيروس وأساسية للسلامة العامة، ولكن المسافة بين الدول الأوروبية على العكس من ذلك، ونتيجة لهذه المسافة تعرض الجميع للخطر أخيراً، والسبب كله يعود إلى الاتحاد الأوروبي الذي رفض التنسيق بين الدول الأوروبية منذ بداية الوباء .

وليس هذا فحسب، بل شهدت استجابة الاتحاد الأوروبي الضعيفة للأزمة استقالة البروفيسور ماورو فيراري من منصبه كرئيس لمجلس البحوث الأوروبي عندما شعر بالإحباط من تقاعس الكتلة عن إنشاء برنامج بحثي مخصص لفيروس كورونا. وفي حديث لصحيفة فاينانشيال تايمز قال: “وصلت إلى مجلس البحوث الأوروبي مؤيداً قوياً للاتحاد الأوروبي [لكن] أزمة Covid-19 غيرت وجهات نظري تماماً”.

وبدلاً من مساعدة إيطاليا، انشغلت بروكسل في حرب كلامية مع أستاذ مشهور كان محبطاً لأنه منع من التعامل مع الفيروس التاجي بطريقة فعالة، وهو الأمر الذي دفع إيطاليا للاعتماد على المساعدة من كوبا وألبانيا والصين وروسيا وغيرها للتعامل مع حالة الطوارئ الصحية العامة التي فرضتها الجائحة على البلاد.

هذه المساعدات من الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإيطاليا أحرجت الكتلة إلى حد كبير، وكانت الدافع لحدوث تغيير في وتيرة الاتحاد الأوروبي ودفعه لتسليم ملايين الأقنعة إلى إيطاليا، وحتى أجبرت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لين لتقديم “اعتذارات قلبية” لإيطاليا نيابة عن أوروبا ، معترفة بأنها لم تكن إلى جانبها منذ بداية الأزمة.

وقالت في حديثها في نقاش في البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي: ” أوروبا تقدم اعتذارها الصادق”، وأضافت أن “الكثيرين لم يكونوا موجودين في الوقت المحدد عندما كانت إيطاليا بحاجة إلى مساعدة في البداية”. ومع ذلك ، زعمت أن “أوروبا أصبحت الآن قلب التضامن العالمي النابض”. بالطبع لم تذكر أن روسيا كانت واحدة من الدول القليلة جداً التي ساعدت الدولة المتوسطية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الشعور بالارتياح تجاه روسيا بين السكان المحليين.

بالنسبة للعديد من الإيطاليين، الاعتذار ليس جيداً بما فيه الكفاية ومن غير المبرر أن الاتحاد الأوروبي لم يكن موجوداً في ساعة الحاجة. لذلك لن ينسى الكثيرون في إيطاليا ذلك، وسيصبح بالتأكيد نقطة نقاش رئيسية في الانتخابات الإيطالية المستقبلية، وفي المناقشات حول علاقات روما مع موسكو في عالم ما بعد الفيروس التاجي.

وعلى الرغم من أن دير لين تدعي أن أوروبا هي “القلب النابض للتضامن” ، إلا أن الصين وروسيا هما اللذان قدما المساعدة لـ 24 دولة مختلفة من أمريكا الشمالية إلى أمريكا الجنوبية وأفريقيا إلى آسيا وعبر أوروبا ليثبتا للعالم أنهما “قلب ينبض بالتضامن” أكثر مما لدى الاتحاد الأوروبي.

والأكثر من ذلك، شهد الأسبوع الماضي خلال اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي لمناقشة حزمة الإنقاذ المالي انقساماً واضحاً بين دول شمال أوروبا ودول البحر الأبيض المتوسط ​​الأوروبية، حيث رفضت بلدان شمال أوروبا الأكثر ثراء دعم حزمة إنقاذ من شأنها أن تخفف من الضربة الاقتصادية التي سببها جائحة الفيروس التاجي لدول جنوب أوروبا.

ما يعني أنه رغم تقديم دير لين اعتذاراً وإعلانها أن الاتحاد الأوروبي هو “قلب التضامن النابض للعالم”، إلا أن الحقائق مثبتة على الأرض فقد عقدت دول شمال أوروبا العزم لحماية مصالح دولها، بينما الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هم الذين حشدوا لمساعدة إيطاليا، ولا شك أن ذلك سيثبت أنه انتصار حاسم للقوة الناعمة لروسيا والصين، وسيكون له تداعيات جيوسياسية كبيرة في عالم ما بعد الفيروس التاجي.