بعض من تفاصيل ما حدث في “الليلة السوداء”.. مراهنة خاسرة على ارتفاع أسعار النفط تقلب السحر على الساحر!
قبل الحديث عن أسباب انهيار أسعار النفط الأمريكي، لا بدّ من توضيح أن المقصود بالعقود الآجلة للنفط هي اتفاقيات وعقود تمّ التوافق من خلالها على تبادل كمية محددة من النفط بين طرفين بسعر محدّد، في تاريخ محدد، حيث يتم تداولها في بورصات العقود الآجلة، وهي الطريقة الأكثر استخداماً لشراء النفط وبيعه، وكان التاريخ المحدد وموعد التسوية لتبادل الكمية المتفق عليها من النفط الأميركي أو ما يعرف بخام تكساس لـ “عقود تسليم أيار القادم” ووفق العقود ظهر يوم الثلاثاء 21 أيار بتوقيت الولايات المتحدة الأميركية.
أغراهم الانخفاض!
المضاربون أغراهم الانخفاض الكبير في أسعار النفط خلال الفترة السابقة، فوقّعوا على تعاقدات كبيرة عندما انخفض سعر خام غرب تكساس ووصل إلى مستويات دنيا هبطت عن عشرين دولاراً ووصلت إلى عشرة دولارات، فاشتروا كميات كبيرة أملاً بارتفاع الأسعار وإعادة بيعها وتحقيق مكاسب.
وفي هذه الحالة فإن حامل العقود، الذي كان قد اشترى النفط الأميركي في وقت سابق على أمل تحقيق أرباح مستقبلية وفقاً لتحليلاته وقراءته للسوق، كان أمام خيارين عندما استحق موعد تسوية العقود، إما التخلّص من هذه العقود وبيعها بأقل خسائر ممكنة، حيث يتحتّم تسويتها قبل ظهر يوم الثلاثاء 21 نيسان الحالي، أو أن يقوم باستلام النفط الحقيقي وفقاً للعقود الموقعة والمتفق عليها.
طبعاً الخيار الثاني ليس بالأمر السهل، فهناك أجور التخزين والنقل والتأمين التي سترفع من تكاليف استلام النفط بانتظار حلول موعد تسليمات عقود حزيران، وهنا يبقى الخيار الأول هو الأفضل حيث يضطر أصحاب العقود للتخلص من النفط وبيعه بالسعر الذي يجنّبهم تحقيق خسائر أكبر فيما لو تسلموا النفط الحقيقي في توقيت صعب للغاية، خاصة وأن مخازن النفط في الولايات المتحدة الأميركية ممتلئة تقريباً، إضافة إلى أنها رفعت أسعارها في ظل هذه الظروف مما رفع من تكلفة الاحتفاظ بالنفط بالنسبة لحملة العقود المستقبلية.
سبب الانهيار
يعود سبب حدوث هذا الانهيار في أسعار النفط الأميركي بشكل متسارع جداً وخلال ساعات قليلة، إلى أن أصحاب العقود الآجلة كانوا يأملون بحدوث تحسن في الأسعار، وظلوا متماسكين ومتمسكين بحدود سعرية تناسبهم، لكن في النهاية ومع اقتراب موعد الاستحقاق خرجت الأمور عن السيطرة وراحوا يبحثون عن الخروج من السوق بأقل الخسائر، فانهارت الأسعار بشكل متسارع حتى وصلت إلى سالب 37 دولاراً للبرميل تسليم أيار، وهو ما يعني أن منتجي النفط مستعدون لدفع أموال للمشترين كي يتخلصوا من المخزون الموجود لديهم، وهنا انتهت “الليلة السوداء”، وتتجه الأنظار نحو أسعار النفط الأميركي تسليم حزيران، فهل سوف نشهد “سيناريوها” مشابهاً لما حدث يوم الاثنين 20 نيسان؟
في الحقيقة لا توجد معلومات حتى اللحظة عن حجم النفط الذي تم بيعه بسعر (سالب 37 دولاراً) فربما تكون كميات قليلة لكنها أوصلت النفط إلى المستوى السعري الأقل تاريخياً.
شاغل العالم..
لا شك أن أسباب هذا التراجع بشكل عام، تعود بالدرجة الأولى إلى فيروس كورونا شاغل العالم الذي أجبر مليارات عدة من الأشخاص على البقاء في منازلهم، وأوقف المواصلات براً وبحراً وجواً، وخفض الاستيراد من مستهلكين كبار كالصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، وأوقف النشاط الاقتصادي بمختلف مكوناته، فانخفض الطلب على النفط بما يقارب 30 مليون برميل نفط يومياً، أي ما نسبته 30% من الطلب اليومي على النفط، بالمقابل لم تتعامل الدول المنتجة للنفط مع هذا الموضوع بشكل مناسب، فاستمر إنتاج النفط وامتلأت أماكن تخزين النفط، سواء على الأرض أو العائمة في الماء، فبدأت أسعار النفط بالتراجع شيئاً فشيئاً حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
مراهنة خاسرة
ثمّة اعتبارات دفعت أصحاب العقود الآجلة للنفط للمراهنة عليها لجهة أن تلعب دوراً بارتفاع أسعار النفط الأميركي، وكانت سبباً رئيسياً في تمسكهم بأسعارهم في ظل هذه الظروف، أولاها وعود ترامب بحماية الصناعة الأميركية، وثانيها انحسار تأثير فيروس كورونا وفتح الأسواق العالمية وعودتها للنشاط مما يرفع من الطلب على النفط وبالتالي ارتفاع أسعاره، وثالثها تخفيض إنتاج النفط من قبل أوبك+، لكن ذلك لم يحدث بعد ولم يمنع من حدوث هذا السقوط الحر في أسعار النفط.
من المستفيد؟
لابد أولاً من ذكر أن سعر سالب 37 دولاراً للبرميل قد انتهى، والآن تتجه الأنظار نحو أسعار النفط تسليم حزيران وهي حتى اللحظة (مساء الثلاثاء 21/4/2020) تتراجع بنسبة 20% تقريباً إلى 16 دولاراً للبرميل، ومع استمرار تأثيرات فيروس كورونا على العالم فمن غير الممكن التنبؤ بأي تحسن في أسعار النفط، وليس مستبعداً حدوث كساد لن يفلت من تأثيره أحد. وذكرت دراسة لمؤسسة ريستاد لأبحاث الطاقة وعرضتها شبكة “سي إن إن” أنه حتى مع وصول أسعار النفط الأميركي إلى عشرين دولاراً ستعلن 533 شركة استخراج نفط صخري أميركي إفلاسها بنهاية العام القادم، وسيصل عدد الشركات المفلسة إلى 1100 شركة إذا وصلت أسعار النفط إلى عشرة دولارات للبرميل الواحد.
وعلى الرغم من اتفاق أوبك+ على تخفيض إنتاج النفط 9.7 ملايين برميل يومياً بداية من أيار القادم، إلا أن ذلك لم ينقذ أسعار النفط من الانهيار الذي حصل، إذ ثبت عدم جدوى هذا الاتفاق، وأن السوق تفرض نفسها، وقد أضحت الحاجة ماسة للجلوس إلى طاولة مفاوضات تضمّ جميع اللاعبين الكبار في العالم واتخاذ قرارات جماعية ملزمة ترضي جميع الأطراف وتنقذ العالم من كساد ربما يكون الأقسى تاريخياً.
والأمر الأهم وعلى رأس أولويات العالم يجب أن يكون إيجاد لقاح ضد فيروس كورونا، وبعد ذلك سيبدأ الاقتصاد العالمي بالعودة إلى نشاطه، بدءاً من الاقتصادات الكبرى مثل الاقتصاد الصيني، والولايات المتحدة، ودول في أوروبا، وهذا يرفع معدلات الطلب العالمي على النفط وبالتالي تحسّن أسعاره.
منير الرفاعي