حماية حقوق الإنسان في ظل جائحة كوفيد 19 ( كورونا )
ريا خوري
في كل فترة عصيبة يقتضي الأمر توفير الشروط الصحية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والحرص الشديد على احترام حقوق الإنسان. هذا الأمر أكدت عليه قرارات مجلس الأمن الدولي في تسعينات القرن الماضي والتي تم من خلالها اعتبار أنَّ خرق حقوق الإنسان يشكِّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
تلك القرارات والقوانين والتشريعات، بخاصة اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الإضافية والتي ترافقت بمعاهدات دولية تضم أكثر القواعد أهمية للحد من همجية الحروب، والنزاعات، وتوفير الحماية لعمال الصحة وعمال الإغاثة. كانت اتفاقية جنيف عام 949 وما تضمنته المادة 64 من هذه الاتفاقية تمثل النسخة المنقَّحة الرابعة لاتفاقية جنيف المتعلقِّة بشأن الجرحى والمصابين والمرضى، وقد أتت عقب الاتفاقيات التي تم اعتمادها في 1864، و 1906، و 1929. هذه الاتفاقيات لا تقتصر على حماية الجرحى والمصابين والمرضى، بل تشمل أيضاً موظفي وزارة ومؤسسات الصحة بكافة اختصاصاتها , والوحدات الدينية والوحدات الطبية الفاعلة ووسائل النقل الطبي وتضم ملحقين اثنين يشملان مشروع اتفاق بشأن مناطق المستشفيات و صدور بطاقة نموذجية لموظفي الصحة.
من الناحية الإنسانية نجد أنَّ الكوارث والأزمات ترتبط بأوضاع ضاغطة جداً ، وتثير قدراً كبيراً من الهلع والخوف ، ويرافقها على الأغلب اتخاذ تدابير وسياسات وأساليب استثنائية وغير مألوفة، وذلك في إطار السعي الحثيث إلى محاصرتها، ومنعها من الخروج عن نطاق السيطرة والتحكُّم. مع العلم أنه على الرغم من حدوث الظروف الطارئة والصعبة بشكلٍ فجائي، إلا أنها لا تُشَكِّلُ مبرِّراً لارتكاب الخروقات في مجال حقوق الإنسان أو التنكُّر الفاضح للاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
لقد شكَّلَت جائحة كوفيد 19 ( كورونا ) محكَّاً قوياً لقياس مدى ارتباط وانضباط الدول بالشعارات التي ما فتئت تطلقها حول احترام الإنسان وحقوقه، والتزامها بما تقتضيه دساتير ومضامين الاتفاقيات المعقودة في هذا الخصوص. ومن خلال متابعتنا لمجريات الأحداث في أثناء أزمة كوفيد 19 ( كورونا ) شاهدنا حجم مظاهر القرصنة لحمولات من السلع لدول أخرى، كما ظهرت تصريحات مسؤولة تدعو إلى تجريب لقاح كوفيد 19 ( كورونا ) على الأفارقة ، وهذا شكل فاضح وعنصري بشع في تقديم العلاج داخل بعض بلدان الاتحاد الأوروبي بسبب العرق والجنس. وطالبت عدة منظمات دولية حقوقية بأخذ الحيطة والحذر في تطبيق التدابير الوقائية الاحترازية التي فرضتها حالة تمدد الوباء وانتشاره بشكل سريع، مع الأخذ بعين الاعتبار الحقوق المكفولة لعدد من الشرائح والفئات داخل بنية المجتمع. ونتيجة لزيادة المخاوف من تحوُّل بعض المؤسسات العقابية كالسجون والمعتقلات إلى بؤر للوباء تحت تأثير الاحتكاك نتيجة الاكتظاظ ، فقد قامت بعض الدول باتخاذ تدابير لازمة لتفادي المزيد من الخسائر البشرية وقامت بإطلاق سراح عشرات منهم مما دفع بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى الإشادة بالكثير من الإجراءات الاحتياطية التي اتخذتها العديد من الدول .
وعلى المقلب الآخر أوصت باتخاذ إجراءات وتدابير زجرية ضد مخالفي القوانين في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها العالم. أيضاً هناك العديد من الدول ضحَّت بمصالحها الاقتصادية، وسارعت إلى اتخاذ إجراءات وقائية احترازية صارمة، لضمان الأمن الصحي والطمأنينة لمواطنيها، حيث بادرت إلى فرض حجر صحي، وأغلقت الوزارات والمؤسسات التعليمية والنوادي والمطاعم والموانئ والمطارات، وأوقفت الرحلات الجوية.
وفي هذا السياق لم تخفِ النخب الحاكمة السياسية والفكرية والأكاديمية خوفها من أن تفضي الإجراءات الصارمة التي تتبعها لجان الطوارئ في بعض الدول إلى التنكر للقوانين والتشريعات والانحراف في تطبيقها، وإلى عودة القوى الاستبدادية إلى الواجهة، والعمل بشكلٍ سري وعلني على تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين والمعارضين تحت وطأة الرعب والخوف والهلع، وذريعة محاصرة جائحة كوفيد 19.
إنَّ الاهتمام الزائد والحرص الشديد على احترام حقوق الإنسان في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البشرية جمعاء يتطلب تأمين وتوفير الشروط الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وعلى رأسها الصحية، واعتماد مبدأ الشفافية في التواصل مع الجماهير، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومات، لأنها كلها عوامل هامة ستسهم بالتأكيد في توفير مناخ سليم ومعافى .