خيارات قاسية أحلاها مرّ.. الإغلاق الاقتصادي يهدد الرمق الأخير للإنتاج
دمشق – ريم ربيع
تسيطر اليوم على العالم بأسره حالة من الترقب الحذر إزاء المتغيرات المفاجئة والمتسارعة للاقتصاد العالمي بعد تلقيه صفعة قاسية من فايروس كورونا الذي تفشى في أغلب الدول، وقلبَ النظام الاقتصادي رأساً على عقب، وحوّل أغلب الإنفاق في مختلف الدول إلى العمليات الاحترازية للحد من انتشاره، فكانت أول النتائج دخول الاقتصاد العالمي حالة ركود شديد، وانهيار في البورصات العالمية، وتسجيل تراجع حاد في القطاعات الأكثر تأثيراً بكل الدول كالطاقة والنقل والسياحة والتصدير والتصنيع، وآخر المستجدات كان انهيار سعر النفط الأميركي وهبوط سعر العقود الآجلة إلى ما دون الصفر، الأمر الذي يدعو خبراء لاستثماره بالشكل الأمثل من قبل سوريا والاستفادة في تخفيف فاتورة استيراد المواد النفطية.
استغلال الفرصة
ورغم عزلة سورية الاقتصادية التي فرضتها العقوبات، إلا أنها لا يمكن أن تكون بمنأى عن المتغيرات الجديدة، فلا يكاد الاقتصاد السوري يودع أزمة حتى تليها أزمة جديدة، بدءاً بالحرب والتدمير الممنهج للبنى التحتية ثم الحصار الاقتصادي وقانون قيصر، ثم الاضطرابات في لبنان التي أطبقت الخناق على سورية، لتختتم اليوم “مصائب” الاقتصاد بوباء كورونا وآثاره.
ويرى خبراء أن سورية قد تكون أكثر تضرراً من غيرها في بعض المناحي الاقتصادية، لاسيما بعد توقف الإنتاج بشكل كبير، واقتصار الاستهلاك على الغذاء والأساسيات وتعطل عشرات المهن والحرف والصناعات مع الإجراءات الاحترازية المتخذة للحد من تفشي الفايروس، فاختلاف سورية عن باقي الدول يكمن في الحصار والحرب الاقتصادية المطبقة عليها لعشر سنواتٍ خلت، ما جعل الاقتصاد هشّاً إلى درجة كبيرة برأي خبراء حذّروا من التدهور القادم مع الأيام في حال استمر توقف الإنتاج والاعتماد المطلق على الاستيراد، فرغم التأكيدات على أن القطاعات الإنتاجية مستمرة بالعمل، إلا أن أصوات الصناعيين تتعالى لتقديم تسهيلات في عملهم شبه المتعطل، واستغلال الفرصة لزيادة الإنتاج والتوجه للتصدير، فهناك العديد من المنتجات بدأت بالتكدس بدءاً بالصناعات النسيجية وصولاً إلى الالكترونيات والأجهزة الكهربائية.
تناقض
ومن خلال أسئلتنا ومتابعتنا لآراء الخبراء الاقتصاديين وقراءتهم للواقع الجديد كان لافتاً الاختلاف الجذري في بعض تحليلاتهم.! فهناك من يرى أن تنوع الاقتصاد السوري يكسبه ميزة مواجهة الصدمات، خاصةً وأن سنوات الحصار أكسبت البنية الاقتصادية عموماً الخبرة في التعامل مع الأزمات، فيما توقع قسماً آخر انكماشاً حادّاً بالاقتصاد، فسورية غير مهيأة اليوم لحالة إغلاق اقتصادي كامل، وكان أستاذ جامعي قد توقع أن خسائر الاقتصاد في سورية تزيد عن 33.3 مليار ليرة يومياً أي ما يقارب 800 مليون دولار شهرياً، فيما سبّب تعطل قطاع السياحة تأثيراً سلبياً على القطع الأجنبي الوارد، وبشكل خاص السياحة الدينية المميزة في سورية لما تحتويه من تنوع في مقاصد مختلف الطوائف والأديان، وكان القطاع السياحي قبل أزمة كورونا يسعى جاهداً لإعادة استقطاب الزائرين بعد أن واجه توقف شبه كامل إثر التخريب الذي تعرض له القطاع ككل في سنوات الحرب.
انكماش
الخبيرة الاقتصادية د.نسرين زريق ترى أننا تجاوزنا مجرد اتجاه الاقتصاد نحو الانكماش، حيث دخلت سورية بانكماش السيولة الأقصى، وتوجه أغلب الإنفاق الاستهلاكي للمواد الغذائية، بالإضافة إلى بعض الضروريات فقط، ومع مرور الوقت ستزداد نسبة انكماش السيولة وتوجيه كل المدخرات للطعام والأساسيات، موضحةً أنه وحسب الدراسات العالمية الأخيرة تقدّر الخسائر الاقتصادية لأية دولة من دول العالم تعرضت لوباء كورونا بانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20%، إضافة إلى توقع بارتفاع معدل البطالة بمقدار 10%، وارتفاع بمعدل تضخم الأسعار بمقدار 50%، وهو ما بدأنا لمسه مباشرة خاصة بما يتعلق بالسلع الغذائية، بينما يتبيّن أثر انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام، ويظهر أثر البطالة بعد ثلاثة أشهر.
وتعتبر زريق أن أكثر القطاعات المتضررة هي الصناعات النسيجية والألبسة، بسبب توجه الإنفاق للصناعات الغذائية ثم العناية الشخصية، فيما طالب تجار الألبسة بالسماح لهم العمل لفترة أطول بعد انقطاع وإغلاق طويل، فالمهن النسيجية والألبسة يعمل بها أكثر من 20% من الشعب السوري وهي تدعم الاقتصاد بأكثر من 40%، وشدّد التجار على ضرورة العمل مساءً في شهر رمضان نظراً لخصوصية هذا الشهر وعادات التسوق لدى أغلب السوريين، فيما لم تسجل الأيام الأولى من إعادة افتتاح محلات الألبسة رضا البائعين الذين أكدوا تدني نسبة المبيعات دون توقعاتهم.
كفاية السوق
أما على مستوى الاستيراد والتصدير اختلفت الآراء بين التجار والصناعيين والمستوردين، حيث يطالب بعض الصناعيين بمنع تصدير أي منتج والتركيز على كفاية السوق المحلية وتأمين تنوع في السلع والمنتجات واستغلال استمرار السماح باستيراد المواد الأولية، بينما يطالب قسم من الصناعيين واللجنة المركزية للتصدير بالسماح بتصدير عدد من المنتجات منها الكمامات والمنظفات والخضار، والاستفادة من تقلص المبيعات في الداخل لبعض المنتجات وتوجيهها للتصدير ودعم الاقتصاد بالقطع الأجنبي، فيما قررت الحكومة في وقت سابق إيقاف تصدير البقوليات والألبان والأجبان والبيض والكلور وماء الجافيل وبعض المنتجات الدوائية.
دعم
وبخصوص الإجراءات الاقتصادية التي يفترض اتخاذها لتخفيف الآثار السلبية على المجتمع، يُجمع الخبراء على توجيه الاهتمام نحو تشجيع الزراعة وتقديم كل الدعم اللازم لتطويرها، وتعزيز التقنيات الحديثة في الإنتاج وخلق منافسة في السوق لكسر الأسعار والحفاظ على القدرة الشرائية وانتظام تزويده بالمواد الرئيسية، بالإضافة إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم كل المساعدة اللازمة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في توجيه الدعم للمتعطلين عن العمل، وإطلاقها استمارة تسجيل المتضررين من كورونا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإيصال الدعم لهم.
—————————