هل تكون محنة كورونا فرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا؟
ربما من المرات القليلة التي يتاح فيها لراسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية فرصة إعادة ترتيب أولوياته، والنسج عليها للخروج بحزمة متكاملة من الآليات التي تكفل بالحد الأدنى تلافي أخطاء الماضي والبدء بإعادة البناء وفق متطلبات المرحلة الجديدة، فالتحدي الذي فرضه وباء كورونا كشف مواقع الخلل في عدد من المفاصل الرئيسية في سلة العمل الحكومي من طاقة وغذاء وتعليم وصحة، ولاسيما فيما يتعلق بآليات توفير السلع وتوزيعها وضبط أسعارها وتحقيق العدالة في التوزيع، وبالتالي فإن ما حدث كشف حاجة ملحة لمنظومة متكاملة للعمل إلكترونياً بما يضمن استمرار العمل وسلامة تنفيذه، وقد رأينا كيف سارعت الحكومة إلى تطبيق آلية جديدة لتوزيع الخبز بالاعتماد على البطاقة الذكية، ولكن هذه العملية يجب أن تكون ضمن خطوات متكاملة، وليس إيجاد حل لمشكلة مستعصية ومن ثم الانكفاء، فهناك كثير من القضايا الخدمية التي بحاجة إلى إيجاد حلول جذرية ولا مجال للتأجيل وانتظار أزمة أخرى لكي نتقدم خطوة جديدة.
لاشك أن سورية وخلال تسع سنوات من الحرب عانت ماعانته من “ويلات” متلاحقة والتي أدت إلى خروج الكثير من منشآتها الاقتصادية والصناعية والخدمية من العمل بفعل الإرهاب، وممارسة إرهاب اقتصادي غير مسبوق تمثل بفرض عقوبات قسرية منعها حتى من تأمين متطلباتها الأساسية، ولكن بالرغم من كل ذلك فإن الأزمات دائماً ما تكون البوابة للعبور إلى مرحلة جديدة أكثر إشراقاً، وسورية بما تملك من إمكانيات على كافة الصعد قادرة على تجاوز ما تمر به، واليوم فإن ما كشفته أزمة كورونا من ثغرات في العمل الحكومي يحتم على راسمي السياسات تبني خطط واضحة بمدد زمنية محددة تعيد الاعتبار للقطاعات التي لطالما كانت ضمان سورية وجواز عبورها إلى بر الأمان في الكثير من الملمات، من دعم القطاع الزراعي بكافة أنواعه وإعادة الاعتبار للصناعة الوطنية والمهن الحرفية وغيرها من القطاعات الحيوية، والأهم بناء منظومة متكاملة ولعل في إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية الطريق الأنسب إلى ذلك، ودونه فإن المشاكل ستستمر وتتعقد، وسيكون من الصعب تجاوزها بالأمر اليسير، فالضغوط على سورية لم ولن تتوقف، فلنحول محنة كورونا إلى فرصة تعيد ترتيب أوراقنا والانطلاق بإعادة إعمار سورية.
ميس خليل