المثقف والسوشيال ميديا..
على الرغم من أن الكاتب أو المثقف الجاد – بشكل عام – لم تكن علاقته يوماً من الأيام طيبة مع وسائل التواصل الاجتماعي، ومنذ ظهورها الأول مابرح يوجّه لها أصابع الاتهام، فهي من فتحت الباب أمام من لا يستحق، وهي من أصبح من خلالها لأشباه الأدباء والكتّاب “كلمة”، في حين لم يكن يملك هؤلاء قبلها جرأة القول والكتابة، وهي من قدمت منبراً للغادي والبادي من دون أي حسابات واعتبارات ثقافية وساهمت بشكل كبير في تردي واستسهال الحالة الثقافية وفي تفشي موجة إطلاق الألقاب كيفما اتفق بعيداً عن أي أسس وقواعد، حتى أنها هي التي جعلت من “التافهين” مشهورين ولهم متابعون وقراء ومعجبون وجمهور “طنان رنان”، فكيف بعد كل هذا لا يناصب المثقف تلك الوسائل العداء بل ويقاطعها في أغلب الأحيان معلناً عدم انتمائه لها وعدم اعترافه بفرسانها وبمجمل نتاجها ولربما كانت أفضل الحالات التي مرت بها العلاقة بين ذاك المثقف و”السوشيال ميديا” وأكثرها سلاماً هي ما يمكن تسميته بـ”التقبل” أي عدم الرفض لواقع لا يمكن تغييره بحال من الأحوال، وكان هذا التقبل خطوة مبدئية إيجابية في تاريخ هذه العلاقة، ويمكن القول إن وسائل التواصل اقتنصت ذلك التقبل عنوة، فمع مرور الوقت استطاعت “مواقع السوشيال ميديا” بشقها الإيجابي أن تحتل بكل قوة الجزء الأكبر من حياة الناس وحقّقت قاعدة جماهيرية كبيرة و”طنشت” جموع المثقفين والكتّاب وحتى الأدباء والعلماء غير آبهة ولا عابئة بجميع التهم الموجهة لها والتي تلصق بها صفتي السطحية وعدم الجدوى، بل وتجاوزتها، وأصبحت مرجعاً للكثير من المعلومات في مختلف المجالات حتى أنها ساهمت في إنجاز البحوث العلمية وأتاحت الكتب بطريقة إلكترونية سهلت القراءة وجعلتها متوفرة بسهولة وسرعة بين أيدي الجميع بمجرد كبسة زر.
ورغم كل ما حققته وسائل التواصل الاجتماعي من إنجازات وتطور لم تنل الرضا التام من هؤلاء المثقفين، حيث تمسكوا بموقفهم الحيادي نحوها إلى أن “وقع المحظور” مؤخراً، وجاء إلى عالمنا “فيروس كورونا” الذي قلب الموازين رأساً على عقب حاملاً معه شعار “خليك بالبيت”، والذي تمكن أخيراً أن يغيّر وجهة نظر ما تبقى من “مثقفين” متزمتين ومتمسكين بعدم جدوى السوشيال ميديا، حيث لم يجد المثقف أمامه في هذه الأيام خياراً ووسيلة لنشر كتاباته وأفكاره وطريقة للوصول إلى جمهوره سوى ما رفضه سابقاً فلجأ مضطراً بكل بساطة إلى “مواقع السوشيال ميديا” التي حققت له منبراً لحروفه ورحبت على الحال بصداقته، متناسية كل ما سبق ورشقها به من سيل الاتهامات علّه لا ينسى فضلها هذه المرة ويستسلم أخيراً لعجلة التطور وسيرورة الحياة.
لوردا فوزي