خطر المجاعة يطرق الأبواب..
سمر سامي السمارة
تهدد المجاعة حياة الناس الأكثر فقراً في العديد من دول العالم أكثر مما يهددها فيروس كورونا الذي باتت أخباره تسيطر على وسائل الإعلام الغربية. والأخطر أن هذا الإعلام المسيس لم يذكر في تقاريره اليومية أنه في حال انتشار كوفييد 19- بين هؤلاء الأفراد المعرضين للإصابة بالملاريا والأمراض الخطيرة الأخرى، فإن التفشي سيكون بما -لا يدع مجالا للشك- نذير لمأساة ذات أبعاد عالمية.شهدت السنوات الأخيرة، تحذيرات متزايدة من خبراء في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية تظهر أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في العالم آخذ في الازدياد بشكل مثير للاهتمام. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يتجاوز عدد الأشخاص الذين يعانون المجاعة الـ 820 مليون شخص حالياً، وفي أفريقيا وحدها، يعاني عشرات الملايين من جنوب السودان، إثيوبيا، الصومال وكينيا، من سوء التغذية. جدير بالذكر، أن المواجهات المسلحة والكوارث الطبيعية وتأثيرها على الصراعات، تعتبر أسبابا رئيسية لانتشار المجاعة عالمياً.وبحسب أحدث التقارير الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تعرض 9.2٪ من سكان العالم، من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق وغرب آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية في عام 2018، لمستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي “، إذ يعيش غالبية الأفراد الذين يعانون من نقص التغذية في الدول المتضررة من الحروب أو الأزمات السياسية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن عدد النزاعات المسلحة ازداد منذ عام 2010 بنسبة 60٪ وبشكل رئيسي كانت هذه الزيادة نتيجة الحروب الأهلية والمواجهات بين الدول التي بدأت خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى ما يزيد على 17 مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعاً في اليمن.يرتفع خطر المجاعة في الأوساط الأكثر ضعفا وهشاشة، كأوساط اللاجئين والمشردين داخلياً، الذين ازداد عددهم باطراد في السنوات الأخيرة إذ وصل إلى أكثر من 65 مليون نسمة، وبحسب توقعات الأمم المتحدة، تهدد الصراعات المسلحة فعلياً سكان الصومال ونيجيريا واليمن بالمجاعة.والسبب المهم الآخر الذي يجعل توافر الغذاء مشكلة أكبر من ذي قبل، هو أن عدد الكوارث الطبيعية على هذا الكوكب وأثرها قد ازداد نتيجة لتغير المناخ، فالتأثير السلبي للجفاف وحرائق الغابات وحدوث الفيضانات على نطاق واسع، لا يقتصر على القطاعات الزراعية في الدول المتضررة من هذه الكوارث الطبيعية فحسب، بل إنه تسبب أيضاً في صراعات اجتماعية.وبصرف النظر عن تغير المناخ، كان لانتشار أسراب الجراد المدمرة تأثير ضار على الإمدادات الغذائية هذا العام، حيث تعرضت المحاصيل في مناطق شاسعة من أفريقيا وآسيا، من تنزانيا وكينيا والصومال إلى باكستان والهند والصين للتلف. في نهاية العام الماضي، تكونت أسراب الجراد في اليمن، ثم عبرت البحر الأحمر ووصلت إلى إثيوبيا والصومال، و في الوقت الحاضر تتزايد أعداد الجراد بمعدل غير مسبوق في إيران وباكستان والهند. وقد أعلنت الحكومة الباكستانية بالفعل حالة طوارئ وطنية بسبب تفشي الجراد، والتي تم الاعتراف بها كأحد الأوبئة الأسوأ من هذا النوع في السنوات العشرين الماضية. ويعتقد عدد من العلماء أن أسراب الجراد هذه ستقلل من توافر الغذاء بنسبة 30 إلى 50٪. وقد أصدرت المنظمة تحذيراً من أن هذه الحشرات تنتشر بسرعة كبيرة، لدرجة أنه إذا لم يتم التعامل مع الآفة بسرعة، يمكن أن تزداد أعدادها 500 مرة في غضون ثلاثة أشهر! ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، كلف آخر تفشي للجراد في غرب إفريقيا من عام 2003 إلى العام 2005 دول هذه المنطقة 2.5 مليار دولار. وبحسب خبراء في “ناشيونال جيوغرافك”، يهدد تفشي آفة الجراد حالياً إمدادات الغذاء العالمية، ويمكن أن تؤدي الاضطرابات الخطيرة في ذلك إلى المجاعة، وحدوث موجة جديدة من اللاجئين الفارين من بلدانهم بالملايين.وبصرف النظر عن العوامل المذكورة أعلاه، فإن تزايد مستويات الفقر حتى في الدول المستقرة سياسياً يؤثر سلبياً على توافر الغذاء. إذ يترتب على الانكماش الاقتصادي العالمي عواقب وخيمة على الدول التي تركز على استيراد السلع الأولية (مثل الوقود الأحفوري ومنتجات الزراعة أحادية المحصول). و بحسب مراقبين فإن انخفاض قدرات الدول على الاستيراد، مثل فنزويلا ووسط أفريقيا، يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما يزيد من خطر سوء التغذية والجوع في أوساط هذه المجتمعات.وبحسب تقديرات برنامج الأغذية العالمي، من الممكن أن يؤدي انتشار وباء فيروس كورونا إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل واسع النطاق. وفي الوقت الحاضر، يقدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات إنسانية عاجلة إلى 87 مليون شخص في أكثر من 80 دولة. وتشكل الحروب وتغير المناخ والجفاف والفيضانات تحديات متزايدة للعمل الذي تقوم به هذه المنظمة الإنسانية. وبسبب فيروس كورونا، الذي انتشر فعلياً في كافة الدول الأفريقية، فإن الوضع في العديد من المناطق، بخاصة ذات الاقتصادات الضعيفة وأنظمة الرعاية الصحية، أصبح وخيماً.أجبرت جائحة كوفييد -19 الدول على إغلاق حدودها، وبالتالي يعتقد المدير العام المساعد لشؤون إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “ماكسيمو توريرو” أن العديد من الدول الأوروبية قد تواجه صعوبة في حصاد محاصيلها في العام 2020، ويقول إن هناك سببين رئيسيين يؤديان إلى نقص الغذاء نتيجة لتفشي الفيروس: التأثير السلبي على سلاسل التوريد ونقص العمالة.لقد أجبرت جائحة كورونا الدول على إغلاق حدودها، وبالتالي قد تواجه معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تحديات في جمع المحاصيل في العام 2020، لأنه عادة يتم استئجار العمال الموسميين من بولندا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا، ولكن في الأسابيع الأخيرة تم تقييد سفرهم بسبب إغلاق الحدود لمكافحة تفشي المرض، ويمكن أن يزداد الوضع سوءاً في حزيران وتموز القادمين. ووفقاً لماكسيمو توريرو ، إذا لم يتم اتخاذ “تدابير تهدف إلى التخفيف من حدة الصدمة فقد تعاني هذه الدول من نقص في الغذاء، خاصةً الخضار والفواكه الطازجة.بالإضافة إلى ذلك، بحسب رؤساء المنظمات الدولية كمنظمة “فاو” ، و “منظمة التجارة العالمية”، يمكن أن يؤدي الذعر إلى انخفاض كبير في الأمن الغذائي على الصعيد العالمي، فالدول التي بدأت فعلياً تعيش حالة فزع بسبب مشاكل تتعلق بتوافر بعض الأطعمة قد تقيد صادراتها، ما يسفر عن نقص في هذه السلع في الأسواق العالمية، وقد تعاني فنزويلا والجزائر وموريتانيا والشرق الأوسط بأكمله الصعوبات الأكبر.لذا فإن مكافحة الجوع ونقص الغذاء لا تقل أهمية لأولويات الأسرة الدولية عن مكافحة فيروس كورونا.