قداديس إحياء لذكرى الإبادة الأرمنية: لن ننسى الوحشية العثمانية
إحياء للذكرى 105 للإبادة الأرمنية التي تعرض لها الأرمن على يد العثمانيين وراح ضحيتها ما يزيد على 1.5 مليون شخص أقيمت في عدد من المحافظات صلوات وقداديس اقتصرت على القائمين عليها دون حضور مصلين تطبيقاً للإجراءات الاحترازية الخاصة بالتصدي لفيروس كورونا.
ففي مطرانية الأرمن الأرثوذكس لأبرشية دمشق وتوابعها أقيم قداس إلهي وصلاة لطلب شفاعة الشهداء القديسين ترأسه المطران آرماش نالبنديان، قال خلاله: “إن إحياء هذه الذكرى من على هذا الهيكل المقدّس في دمشق يحمل في طياته معنى إضافياً، لأن هذه الأرض السورية الطيبة كانت الملاذ والملجأ والخلاص وجسراً مر عليه أجدادنا من براثن الموت إلى أحضان الحياة.. صلاتنا اليوم هي صلاة الشكر.. سننشئ أبناءنا وأحفادنا وأجيالنا القادمة على العرفان بالجميل للشعب السوري لكل ما قدمّه لنا من مساندة ومساعدة”، وتابع: “نحن الأبناء البارون الذين قدّمنا ونقدّم وسنقدّم دوماً الشكر للأم سورية ومهما فعلنا لن نستطيع إيفاءها حقها.. وانطلاقاً من ذلك وبمبادرة من مطرانية الأرمن الأرثوذكس بدمشق تم تشييد نصب العرفان بالجميل تجاه الشعب العربي السوري في عاصمة أرمينيا يريفان عام 2011 لوقفته الإنسانية والأبية تجاه الأرمن في محنتهم، وهو نصب تذكاري يشير أيضاً إلى الصداقة الأبدية بين الشعبين”.
وأعرب نالبنديان عن شكر وتقدير الشعب الأرميني لقرار مجلس الشعب السوري الذي اقر الإبادة الأرمنية على يد الدولة العثمانية وأدانها إضافة إلى إدانته أي محاولة من أي جهة كانت لإنكار هذه الجريمة وتحريف الحقيقة التاريخية حولها.
شارك في القداس مار تيموثاوس متى الخوري النائب البطريركي لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس وحضره السفير الأرميني بدمشق ديكران كيفوركيان.
وكانت أجراس الكنائس الأرمنية في دمشق والعالم قد قرعت في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح أمس الجمعة إحياء لذكرى الإبادة الأرمنية.
وفي حلب أقيمت في كنيسة السيدة العذراء للأرمن الأرثوذوكس بحي الفيلات صلاة إحياء لذكرى الإبادة الأرمنية تحدث خلالها ماسيس زوبويان مطران أبرشية حلب وتوابعها للأرمن الأرثوذكس عن أهمية إحياء ذكرى الإبادة الأرمنية على أيدي المجرمين العثمانيين والصلاة لأرواح الشهداء الأبرياء الذين قضوا فيها ولشهداء الجيش العربي السوري الذين يخوضون معارك الشرف ضد الإرهاب.
ووجه زوبويان الشكر والامتنان للشعب السوري الذي احتضن الشعب الارمني في محنته، داعياً المجتمع الدولي إلى الاعتراف بهذه المجزرة وإدانة ما ارتكبه العثمانيون من إبادة بحق الأرمن.
بعد ذلك تم وضع أكاليل الزهور على النصب التذكاري لشهداء الإبادة الأرمنية في الكنيسة.
وفي مدينة اللاذقية أقيمت بكنيسة السيدة العذراء للأرمن الأرثوذكس صلاة على أرواح شهداء الإبادة الأرمنية ترأسها راعي كنيسة الأرمن الأرثوذكس باللاذقية فاسكين كوشكيريان، كما تمّت إقامة نصب تذكاري للشهداء ووضع أكاليل الورود عليه.
وألقى رئيس المجلس الملي للطائفة الأرمنية فاهي كرجكيان كلمة بعد انتهاء الصلاة تحدث فيها عن وقائع المجزرة التي بدأت باعتقالات وإعدامات لنخبة من المفكرين والأدباء والأعيان الأرمن وأودت بحياة نحو 1.5 مليون مواطن أرميني وتشريد مئات الآلاف خارج بيوتهم، منوّهاً بموقف سورية التي استضافت الأرمن وهيأت لهم سبل العيش الكريم وفرص العمل ليصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الشعب السوري يمارسون حقوقهم وواجباتهم في الدفاع عن قضيتهم وعن بلدهم الثاني سورية ويبذلون الدماء للدفاع عنه بوجه ما يتعرض له من حرب إرهابية مجرمة.
كما وجه كرجكيان التحية لسورية التي تبنى مجلس الشعب فيها قراراً يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحق الأرمن، داعياً المجتمع الدولي إلى الاعتراف بها، وقال: سنردد دوماً بصوت واحد شكراً سورية شعباً وقيادة على هذه المواقف.
الأب كوشكيريان قال في تصريح للصحفيين: “إن الطائفة الأرمنية تحيي هذه الذكرى في كل عام لتقول للعالم أجمع إننا لم ولن ننسى هذه الجريمة البشعة التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الشعب الأرميني والتي كان هدفها الإبادة الجماعية”، منوهاً بمواقف سورية شعباً وقيادة لجهة احتضان الشعب الأرمني ومساندة قضيته في جميع المحافل الدولية.
وأشارت تاكوهي نازاريان ممثلة اللجنة المشرفة على مدرسة الشهداء الخاصة بأبناء الطائفة الأرمنية باللاذقية إلى أن إحياء هذه الذكرى يأتي لإعلاء الصوت والتذكير بالطبيعة العدوانية والوحشية للدولة العثمانية وضرورة مساندة القضية الأرمنية من قبل المجتمع الدولي، لافتة إلى الدعم والمساندة التاريخية التي حظي بها الأرمن من الشعب السوري “الذي منحهم المنازل والأراضي الزراعية ليتمكنوا من العمل وكسب الرزق”، فيما قال ابراهيم جبور عضو المجلس الملي للطائفة الأرمنية: “جئنا اليوم لنقول إننا لن ننسى الإبادة الأرمنية وستبقى مقبرة مرقدة في دير الزور شاهداً حياً على وحشية الدولة العثمانية، والتي تجدد اليوم صورتها القاتمة عبر ممارساتها اللاإنسانية بحق الشعب السوري من خلال دعم واحتضان الإرهابيين الذين يقتلون الشعب السوري وينتهكون سيادة الأرض السورية”.
يذكر أن الإبادة الأرمنية جرت بين الأعوام 1915 و1923 وشملت عمليات قتل وذبح وإبادة بحق الشعب الأرميني وكانت ذروتها في الـ 24 من نيسان عام 1915 حيث اتخذ حزب الاتحاد والترقي التركي قراراً يقضي بإبادة الأرمن وترحيل القاطنين منهم في الإمبراطورية العثمانية وفق مرسوم حكومي.
وأعلنت أرمينيا في الـ 23 من نيسان عام 2015 شهداء الإبادة الأرمنية المليون ونصف المليون الذين سقطوا من أجل ايمانهم والوطن قديسين، لتضع دمشق في الـ26 من الشهر ذاته حجر الأساس للنصب التذكاري لشهداء الإبادة الأرمنية القديسين في الساحة التي تحمل اسمهم والمجاورة لمطرانية الأرمن الأرثوذكس قرب قوس باب شرقي بدمشق.
وفي كلمة وجّهها للشعب الأرميني، أكد الرئيس الأرميني آرمين سركسيان أن الشعب الأرميني بأكمله لا يزال بانتظار تحقيق العدالة في قضية المجزرة، مندداً بمواصلة النظام التركي إنكارها، ومعرباً عن امتنانه للدول التي اعترفت بها وفتحت أبوابها أمام الناجين منها ومنحتهم الملجأ، وأضاف: إن الموقف الذي تتبناه الحكومات التركية المتعاقبة غير مقبول.. حيث أنها تتجنب الاعتراف بالمجزرة وتنتهج سياسة الإنكار على مستوى الدولة، مشيراً إلى أن جريمة المجزرة لا تخضع لقانون التقادم وأن الاعتراف بها من قبل تركيا والقضاء على تبعاتها يعتبر ضماناً بالنسبة لأمن أرمينيا والشعب الأرميني والمنطقة أيضاً.
وبين سركسيان ان مسألة الاعتراف بالمجزرة التي يطرحها الأرمن أمام المجتمع الدولي والنظام التركي تتضمن عدداً من العناصر بما في ذلك “واجب التذكر وعدم تكرار مثل هذه الجريمة وإدانتها والقضاء على تبعاتها”، وأردف: “من غير المقبول النظر في مسألة الاعتراف بالمجزرة الأرمنية من منظور المصالح الاقتصادية أو السياسية مع أنقرة، فالعالم لن يتقدم إلى الأمام بهذا النهج”، موضحاً أنه لا يمكن الإعلان عن النضال المشترك ضد ظواهر الكراهية والعنصرية والإنكار وغيرها من الشرور البشرية من جهة ولعب الدبلوماسية مع تركيا في مسألة المجزرة الأرمنية من جهة أخرى، وأضاف: الكثير من الدول التي لديها مصالح كبرى مع تركيا تغلبت على ذلك العائق وهي جديرة بالاحترام.. وإننا ممتنون لتلك الدول وكذلك للدول التي فتحت أبوابها أمام الناجين من تلك الكارثة ومنحتهم الملجأ، وتابع: “مر أكثر من قرن على المجزرة الأرمنية وحرمان الأرمن من وطنهم وممتلكاتهم إلا أن الشعب الأرمني بأكمله لا يزال بانتظار انتصار الحق وتحقيق العدالة”، مشيراً إلى أن خسارة 1.5 مليون من الأرواح أثر بشكل فعلي على الشعب الأرميني الذي يتراوح عدد أفراده اليوم ما بين 10 و 12 مليون نسمة في حين كان يجب أن يكون هذا العدد الضعف على الأقل، وشدّد على “لا نستطيع أن ننسى المجزرة الأرمنية وليس بإمكاننا التصالح مع تبعاتها”.