مبادرة د. محمد الحوراني.. جائزة مستحقة للرواية السورية
لعلّ من الشجاعة الاعتراف بأن الرواية السورية، كمدوّنة سردية تتقدّم وتنافس الفنون الإبداعية كافة، لم تحظَ بعدُ بالتشجيع والاهتمام الكافي واللائق بمنجزها الذي حقّقته ويرجع إلى أكثر من مائة وعشرين عاماً، ولاسيما إذا علمنا أن الأديبة زينب فواز (1844 – 1914)، المولودة في لبنان قبل فصله عن سورية، تعدّ صاحبة “حسن العواقب” كأول رواية عربية صدرت عام 1899، وتلتها روايتها “الملك قروش” عام 1905، كما لا يمكن إغفال المكانة التي تحتلها الرواية السورية اليوم محلياً وعربياً وإحرازها مراتب متقدمة في الجوائز والتكريمات التي تعلنها سنوياً مؤسسات ثقافية عربية وعالمية.
إن ما سبق لا يعني أبداً التقليل أو إنكار الجهود المبذولة، والتي نقدّرها، لرفع الغبن عن هذا الفن الأدبي السوري الرائد والأصيل، بيد أن الآمال تتعاظم وتكبر ونحن نرى كتّابنا وروائيينا يفوزون بغير جائزة وتحظى نتاجاتهم بتكريمات شتى في الوطن العربي والعالم، فيما هم غائبون عن الجوائز ومنصات التكريم في وطنهم، على الرغم من غزارة ما قدموه من أعمال جديرة بالانتباه، وخاصة خلال سنوات الحرب الماضية على سورية.
وهنا لن نتوقف عند الظنّ والتشكيك بالجهات المانحة أو المموّلة، أو الدفاع الذي يتبناه البعض عن موضوعية ونزاهة لجان التحكيم القائمة على مثل تلك الجوائز، وفي الوقت نفسه سنقفز عن السؤال الجدلي: هل تصنع الجوائز شاعراً أو قاصاً أو روائياً، بل سنذهب مباشرة إلى الفكرة الأهم، أي ضرورة إحداث جائزة محلية دائمة، وربما أكثر من جائزة، للرواية السورية، تفسح المجال أمام العديد من الأقلام الشابة وتستقطب أصواتاً وتجارب أثبتت أن هذا الفن الرائد ولّاد وقادر على مواصلة ما أنجزه المؤسّسون الأوائل كـ حنا مينه وفارس زرزور وألفة الإدلبي وعبد السلام العجيلي وغادة السمان وكوليت الخوري وهاني الراهب.. وسواهم، وينتهي أقل طموحنا فقط عند جائزة سورية للرواية تماثل جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في مجال الأدب والفنون اللتين تمنحهما وزارة الثقافة سنوياً، تقديراً لعدد من المبدعين على عطائهم الإبداعي والفكري والفني.
لقد حاولت مؤسسات ثقافية رسمية ومبادرات فردية تدارك هذا التقصير خلال العقود الماضية، غير أن هذه المحاولات في زعمنا بقيت خجولة مبتورة تفتقر إلى التنظيم والاستمرارية، ونسوق في هذا المقام، على سبيل المثال لا الحصر، جائزة نبيل طعمة للرواية التي رعاها اتحاد الكتّاب العرب منذ سنوات قبل أن تحتجب، وبعدها جائزة دمشق للرواية العربية التي أطلق الاتحاد نفسه دورتها الأولى عام 2016، وتوقفت بعدها دون أي تعليل أو تفسير، من غير أن ننسى جائزة حنا مينه للرواية العربية التي أطلقتها وزارة الثقافة -الهيئة العامّة السوريّة للكتاب “بهدف اكتشاف أصوات جديدة لم تأخذ حقّها من الانتشار”، وما زالت مستمرة حتى اللحظة.
وفي المحنة الأخيرة الموجعة التي يتعرّض لها العالم كله جراء تفشي وباء كورونا، أعلن الكاتب والباحث د. محمد الحوراني وبمبادرة شخصية عن جائزة لأفضل رواية تتحدث عن التكافل الإنساني وتعزيز ثقافة المحبة في هذه الظروف الصعبة، تشجيعاً للإبداع وإسهاماً في تجاوز تداعيات الحظر بعد الانتصار على الوباء، إضافة إلى الإيمان بأهمية الثقافة وقدرة الكلمة على تعزيز الروابط الإنسانية القائمة على المحبة والتعاضد لتجاوز المحن، حيث أكد د. الحوراني في توضيحه لشروط المسابقة ومعاييرها أنه ينبغي ألا يكون العمل برمته مكرساً للحديث عن كورونا، لأن هذا من شأنه أن يجعل العمل بعيداً عن الإبداع الروائي الحقيقي وأقرب لموضوع إنشائي، وإنما يجب أن يكون التكامل والتكافل الإنساني والمحبة حاضرة في العمل، ولاسيما في الظروف الاستثنائية التي يتعرّض لها بلدنا ومنها الحرب الإرهابية التي شُنّت عليه، ومازالت، خلال عقد مضى.
إن هذه المبادرة الشخصية الجديرة بالانتباه في هدفها وتوقيتها، وتعدّ بالفعل جائزة مستحقة للرواية السورية، تستدعي منا جميعاً، مؤسسات وأفراداً، كلّ الرعاية والمشاركة والاهتمام، ذلك أنها تصبّ في معين الفكرة التي ندعو إليها، وتوقظ في وعينا السؤال الملح: لماذا لا يكون لدينا أكثر من جائزة في هذا المضمار، بالتوازي مع التأكيد والثقة بأنها ستشجّع شكلاً مهماً من أشكال التعبير عن التكافل وتقاسم المعاناة في النوائب والمحن، ليبقى رهاننا أن تحظى بالدعم اللازم كي تستمر وتتواصل دورياً، لتدارك تقصيرنا تجاه هذا الفن النبيل. ولعلّ د. محمد الحوراني الذي يترأس حالياً فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب وكرّمته وزارة الثقافة مؤخراً ضمن احتفالية “الثقافة تجدّد انتصارها”، يدرك ويوقن أهمية هذه المبادرة ودورها في تعزيز قيمة التدوين والكتابة كحامل جمالي في حياة الأمم والشعوب، جنباً إلى جنب مع تأريخ الوقائع والأحداث التي مرت بها سورية ومعها الوطن العربي.
عمر محمد جمعة