الآمال و الوعود بضبط الأسعار ومراقبة السوق تذهب أدراج الرياح..!
لم تعد مشكلة أو بالأصح آفة ارتفاع الأسعار بالخبر الجديد، فالحديث عنها أصبح أمراً ممجوجاً لدى المواطن، وخاصةً مع عدم قدرة الجهات المعنية على وضع آلية عمل تمكنها من ضبط الأسعار ومحاسبة التّجار ومراقبة السوق بالشكل المطلوب، بالتوازي مع استمرار الارتفاع الجنوني للأسعار التي تضاعفت بنسبة 107 بالمئة خلال عام واحد فقط، ما جعل معظم العائلات السورية تستدين لشراء بعض الاحتياجات الأساسية، فاليوم لم يعد باستطاعة المواطن شراء كل ما يلزم، ما يضطره لصرف النظر عن الكثير من الأغذية حتى الضرورية منها، مكتفياً ببعضها فقط حيث أصبح الشائع تناول وجبات غذائية أقل وأصغر، في مشهدٍ سيؤدي إلى تغير أسلوب المعيشة بشكلٍ جذريٍّ.
بورصة الخضار
تطالعنا اليوم مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الصور لمنتجات غذائية سورية مهرّبة تصل إلى الدول المجاورة عن طريق عمليات التهريب التي يبدو أنها لم ولن تتوقف، ما يثير غضب ونقمة المواطن الذي يتمّ التلاعب بقوت يومه. منتجات زراعية كالبندورة التي وصل سعر الكيلو غرام الواحد منها إلى أكثر من ألف ليرة سورية وأصبحت تخضع لبورصة أسعار، والليمون الذي أصبح شراؤه ضرباً من الجنون، هذا ونحن في بلد الحمضيات التي لطالما كنّا نتغنى بكثرة أنواعها، والمفارقة المضحكة هي اضطرار المواطن شراء حبة ليمونة واحدة بعد فقدانه من الأسواق!. سابقاً كانت الحجة الحاضرة دوماً لدى الجهات المعنية هي الحصار والعقوبات، اليوم الأسطوانة نفسها بتنا نسمعها ولكن لا بد من إضافة جائحة كورونا، التي لم يكن ينقص المواطن السوري غيرها حتى تكمل حصارها الخانق على حياته المعيشية.
عقوبات وحصار
في أحد تصريحاته أوضح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عاطف النداف أنه سيتمّ محاسبة وتشديد العقوبات على كل من يمسّ بقوت المواطن، ولكن الأمر مختلفٌ كلياً على أرض الواقع والضبوط التموينية التي يتمّ تسجيلها يبدو أنها لا تعطي النتيجة المطلوبة. وتصريح النداف عن إجراء مسابقة لتعيين مراقبي تموين لضبط الأسعار في الوقت الذي تصل مئات الشكاوى والمناشدات من المواطنين عن مخالفاتٍ لا تُعدّ ولا تُحصى لعددٍ من التجار لا تتمّ محاسبتهم يحمل شيئاً من التناقض، لا بل أكثر من ذلك كل الوعود التي أُعطيت عن السعي والعمل لخفض الأسعار مع بداية شهر رمضان لم يتحقق منها أي شيء، وبقيت كلاماً على ورق ووعوداً ذهبت أدراج الرياح. أما بالنسبة لعمليات التهريب فقد أوضح النداف أنها موجودة فعلاً وتتمّ متابعتها مع الفريق الحكومي بشكلٍ يوميٍّ في سعيٍّ منهم لضبط المهربات، مشيراً إلى أن سبب التهريب هو ارتفاع سعر كلفة المواد في دول الجوار، مؤكداً أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع ضبط كل حدودها، ولكن هناك تشديداً ومتابعة لمواجهة هذه المشكلة.
“راوح.. مكانك”!
سمير علي أستاذ موسيقى وأحد قاطني منطقة “دمر البلد” يقول: دائماً في كل لقاء أو تصريح لأحد المسؤولين نسمع الإجابات نفسها، “من تم الاجتماع.. إلى شددنا عمليات المراقبة.. وطرحنا في الأسواق.. نظمنا عدة ضبوط.. إلخ هذا الكلام الذي لم يعد يسمن أو يعطي نتيجة أو حتى يرضي أحداً، مضيفاً: وضع الأسواق ليس كما هو بل يزداد سوءاً، فالأسعار في الصباح تختلف عنها في المساء وكأننا لم نكتفِ بالحصار الخارجي حتى يأتينا الحصار من قبل التّجار الذين لم يعد يشبعهم شيء هذا من جهة، ومن عدم قدرة الجهات المعنية على إيجاد الحلول المناسبة من جهةٍ أخرى. أما بالنسبة لعمليات التهريب التي تتم وعدم قدرة أي دولة في العالم على ضبط حدودها بشكلٍّ كليٍّ، فعلى الأقل وأضعف الإيمان أن تتمكن من ضبط الأسواق ومعاقبة حيتان السوق الذين لم يرحموا المواطن في أصعب الظروف وأقساها لا في أوقات الحرب ولا حتى في أوقات السلم .
الشام أم الفقير
دائماً كانت مقولة “الشام أم الفقير” موجودة ومحقّقة بشكل فعلي وليست مجرد كلام وحسب، أما اليوم ومع انتشار ظاهرة الشراء “بالحبة” للفواكه والخضراوات فقد أصبحت هذه المقولة ضرباً من الخيال. سماح خضور “ربة منزل” تقول: كنت أشتري الخضار والفواكه في موسمها، مضيفةً: لا أذكر أنني اشتريت مرة كيلو أو اثنين فقط، عندما كنت أفاصل البائع يقول لي “خدي هدول شروة مع بعض” وقد يصل وزنها إلى عشرات الكيلو غرامات من خضارٍ وفواكه طازجة، أما اليوم فقد أصبحنا نكتفي بـ”حبة واحدة”، متسائلةً: منذ متى كنا نشتري بهذه الطريقة؟!.
وفي نهاية الأمر يبقى المواطن يتأمل وينتظر الوعود التي على ما يبدو لا أمل فيها، لأن تسويف الأمور أو تركها على حالها يعقّد الوضع أكثر ويزيد من ألم ومعاناة المواطن يوماً بعد يوم.
لينا عدرة