شبه منحرف
من سيسمع صوته الهزيل ضمن مجموعة الأصوات التي تربّت على السمن والسكر، وترعرعت في كنف من الدهن.. صوته لا يشبع الخبز ولم يذق اللحم منذ مدة طويلة.. حباله الصوتية على وشك الصدأ، كلما صرخ أكثر كلما أوشكت على الإقفال التام!
كفا يديه عاجزتان تماماً عن المجيء بالأخبار الجيدة، أصابعه نذير شؤم تنعق فقط بين الحين والآخر على مسودات غير قابلة للنشر، لأنها لو قامت من مكانها لقطع رأسها المنشار الرقيب.
أفكاره فاسدة لا تصلح للتعامل مع من يقودون عربة النزاهة والقرارات الحلال، مجرد ضحايا لآلية التفكير التي تدور في دماغه، وما تبقى من جسده محنط، تبثّ به الروح بالمصادفة أو على سبيل المزاح.
كل ما ذكر سابقاً لا يعني أنه بشع أو سيء السمعة، هو فقط يعيش ضمن ظروف حياتية واقتصادية كالصبار، تغرز به كيفما تحرك.. خياراته أحلاها علقم ومرها كالسم.
لا يأكل، لا يحلم، لا يعيش إلا بألف ويل وبشق الأنفس، كأنه مخلوق يلد كل يوم بخمس عمليات قيصرية قسرية، أوقاته لا تعرف الصباح من الليل من بعد الظهر، مناخه لا معتدل ولا ماطر، لعلّه مالح حدّ الالتهاب، قميصه بنصف ياقة وبأزرار معلقة بشعرة توشك أن تنقطع مع ذوي القربى.. هم نفسهم أصدقاء مقربون من ذاك الباشا السفاح.
لا حول ولا قوة تذكر، ومع ذلك يستيقظ كل يوم ليواجه كارثة جديدة – طبيعية أو بشرية لا فرق على الإطلاق! – هاتفه يرنّ مع أنه في وضع عدم الإزعاج، تصنفه شركة الاتصالات من الزبائن المميزين فترسل له أحلاماً على ورق إلكتروني، تراهنه على حياته، تغريه بالذهب والملايين، لكنه لا يكترث، خائن العشرة عديم الأحاسيس.
علاقته بالمحيط دائرية، لا تلتقي عند زاوية ما، لكنه يرى الوجوه ذاتها كل يوم مرغماً.. زوجته مثلاً – تلك التي ترمقه بطرف عين حادة وأسارير غير منفرجة نهائياً – تطالبه بقوائم شبه منحرفة لا قدرة له على رسمها.
حياته لا تزال قائمة على ما يبدو، جاره انقطع نسله وهو يركض بجرة غاز، أما هو فيحاول منذ شهور الحصول على جنازة من مديره.. الأخير يرفض بحجة نقص اليد العاطلة عن الموت.
رائحة لذيذة تفوح من شباك قريب، لم يحدّد المسافة بالضبط لكنها على الأغلب من الطرف الآخر لأن طعام المدينة له رائحة البيض المسلوق.
على كل الأحوال، الملايين تسير على خطاه، ليس هو المقصود بعينه، ربما خطأ من المصنع. لعبة إعادة الإعدادات الأصلية قيد التحديث. إنها لغة العالم الجديد وهو يجب أن يفهمها غصباً عن لسانه!
ندى محمود القيم