طغيان الفردية على المبادرات الإنسانية لرجال الأعمال يضعف أثرها
دمشق – أمين كوسى
يحرضنا تسابق بعض رجال الأعمال لإطلاق مبادرات إنسانية في ظل ما حملته الإجراءات الاحترازية لانتشار كورونا من تداعيات ألقت بظلالها على الواقع المعاش، لطرح تساؤل عريض حول مدى اضطلاعهم الفعلي بالمسؤولية الاجتماعية، وهل ما يقدمونه من سلل غذائية كاف لسد رمق الشرائح المستهدفة من جهة، ويعبّر حقيقة عن حجمهم ومكانتهم في المشهد الاقتصادي من جهة ثانية!!
لقد توالت ردود الأفعال تجاه هذه المبادرات، ما بين مرحّب يجد فيها مؤشراً يدلّ على تماسك البنيان الاجتماعي، ومتحفظ يشكك بمصداقية مطلقيها، وخاصة أولئك الذين يتقنون استثمار الظهور الإعلامي وتسخيره ضمن قنوات المصالح الضيقة. وفي هذا السياق يشخص الدكتور ماهر سنجر، الخبير بتطوير أعمال الشركات وريادة الأعمال، واقع هذه المبادرات استناداً إلى عالم الاقتصاد، مبيناً أن هذه المبادرات توصف بالآنية ولا تحقق “الاستباقية والاستمرارية والتحسين المستمر لظروف المعيشة”، وبالتالي يقع معظمها في إطار الإعلان وليس الدعاية، والفرق كبير بين أن يقوم المجتمع بمتابعة قيام شركة ما بأنشطة مسؤولة اجتماعياً، وبين أن يطلق رجل أعمال ما صفحات لتصوير مبادراته، فالأول دعاية لكن الثاني إعلان لقاء حفنة من المساعدات!.
ورغم أن هذه المبادرات غير كافية – بحسب سنجر – إلا أنها جيدة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن ما يجعل أثر هذه المبادرات ضعيفاً هو اتسامها بالفردية والاستجابة اللاحقة للظروف، على عكس المبادرات الاستباقية، إضافة إلى افتقارها للتنظيم والتوجيه والمتابعة من قبل غرف التجارة أو الصناعة، وغياب تقييم للنتائج والتصحيح والإرشاد المطلوب، فلم نشهد تقريراً موثقاً من الغرف المعنية عن حجم أو نتائج هذه المبادرات، فبقيت المبادرات كتخفيض الأسعار موضع شك بالنسبة لمصداقيتها وموضوع تساؤل من المواطنين عن الأثر الذي أحدثته.
ودعا سنجر إلى توخي المهنية في متابعة ما يُنشر عن الأخبار المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية، فقد فوجئ بأن إحدى الجمعيات الخيرية نشرت على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي بياناً أكدت فيه أنه “انطلاقاً من مسؤوليتها الاجتماعية قامت بتوزيع سلل غذائية على العائلات السورية”، مبيناً أن هناك لغطاً واضحاً بين النشاط الاعتيادي لجمعية خيرية رخصت على هذا الأساس، وبين المسؤولية الاجتماعية، وبالتالي نجد إما أن ثمة استغلالاً لمصطلح المسؤولية الاجتماعية، أو عدم كفاءة من القائمين على النشر.
وخلص سنجر إلى أنه من المطلوب عدم النظر للمسؤولية الاجتماعية على أنها اقتطاع من أرباح الشركات، فهذه النظرة قاصرة ولا تعبّر عن الفكر الحديث لرجال الأعمال، كما أنه لابد من التركيز على المسؤولية الاجتماعية على المدى الطويل لما لذلك من نتائج تنعكس على تحسين صورة الشركة وزيادة إخلاص العملاء، وزيادة الإنتاجية، فاليوم لا ينظر إلى الشركات فقط استناداً إلى نتائج أعمالها والمؤشرات المالية بل أيضاً من خلال سمعتها وصورتها ودورها المجتمعي.