فؤاد الشائب.. شرف الريادة في القصة القصيرة
بدأ فؤاد الشايب عطاءه محملاً ببذور التجديد من خلال معرفته بالأدب الغربي وإحاطته بالأدب العربي لينتج المجموعة القصصية الفنية الأولى، وله شرف الريادة في ذلك .
وُلِدَ الكاتب في معلولا، القرية التي لا تزال تتكلم بلغة المسيح عليه السلام، في تشرين الثاني 1911، وحاز على شهادة الدراسة الثانوية وسجل في معهد الحقوق في دمشق، وتخرج منه، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة اللغة الفرنسية، وعاد منها بعد أن تشبّع بثقافة وروح الحضارة الأوروبية .
عمل في جريدة “فتى العرب” التي كان يديرها معروف الأرناؤوط، وسافر بعدها إلى العراق ليعمل في التدريس، ثم عاد إلى دمشق واستلم ديواناً للمطبوعات. وفي تلك الفترة أصدر مجموعته الأوّلى “تاريخ جرح” في بيروت عام 1942، ثم عمل مديراً عاماً للدعاية والأنباء، واستلم إضافة إلى عمله مجلة المعرفة، وعمل مديراً للإذاعة والتلفزيون، فمديراً للإرشاد القومي في وزارة الثقافة، ثم مديراً لمكتب الجامعة العربية في بيونس آيرس، وقد اعتدي عليه بتفجير قنبلة من قبل أحد الصهاينة وهو يحاضر على منبر في عاصمة الأرجنتين، فسدّ ذلك الاعتداء شرياناً في قلبه، ولمّا تماثل للشفاء عاوده مرّة ثانية، حتى جيء به إلى سورية جسداً مسجى عام 1970، ودفن فيها.
كانت حياته سلسلة من الثوابت، وكان يعامل بالمحبة والتقدير، رحب الصدر، متنوع الثقافة، جاء إلى وطنه يحمل بذور التجديد ويجمع في أدبه بين تجديد الغرب وتقديس الشرق، كان يتقن الفرنسية والإنكليزية .
اشتهر فؤاد الشايب في عالم القصة بأنّه مؤلف مجموعة “تاريخ جرح” وقد أثارت عند ظهورها اهتماماً واسعاً، ما جعله يتربع على عرش القصة القصيرة، ويختلف عن أبناء جيله من الكتاب الذين كانت أسلوبيتهم جامدة ومصطنعة وخالية من الإدهاش، فهو فارس الأسلوب الجمالي والوظيفي في وقت واحد، وقصصه فتوحات في عالم القصة في ذلك الحين. لقد صقلت القصة القصيرة موهبته وأعطتها بريقاً والتماعاً، إنه يتمتع بالحضور الذهني الكثيف، والكشف عن طبيعة الإنسان، ومشكلة الخير والشر تقعان في لبّ الاهتمام الفكري له، يعدّ بحق سيداً من سادة التألق الأسلوبي في الأدب العربي الحديث، فقد استطاع أن يقدّم ألواناً بصرية رائعة، وارتباطات سمعية مثيرة، كان أسلوبه رائعاً متألقاً ناصعاً بعيداً عن التحذلق والإغراب. أبطاله فصيحون مثله وميّالون إلى القول الجميل، يقول عن قصصه: “هذه المجموعة كانت بين 1930 و1940، وهي تعبّر عن تطورات نفسي في مراحل معينة، وتتضمن كلّ ما أحب وما أبغض في لحظة ما”.
كان يفضّل أن يصنع القصة لا أن يتحدث عنها: “أن يقول الكاتب لنفسه (سأصنع فناً) يجب أن يكون هذا الفن فيضاً نفسياً تلقائياً وتعبيراً صافياً عن النفس، شأنه شأن كلّ فن أصيل”. القصة عنده لا تخضع للتخطيط المسبق، وهي ليست صناعة ولا مهنة، وإنما هي أفق نفسي تتمرد على القواعد والقوانين”، واعتبر القواعد المرسومة قيوداً تحجب حرية انبثاق نفسه وتعوق استدراج الصورة الكامنة فيها “تكبل نشوء ظهورها إلى النور”، ويجب أن تكون القصة صورة طبيعية متوهجة لا يتحكم بأبعادها وأحداثها ومغزاها ومآلها الكاتب، لأنها تتشكل بفعل عوامل نفسية لا تطفو على ساحة الوعي، وإنما تعتمل داخل النفس وفي قلب اللاشعور “إنني أسير وراء الحوادث لا أمامها ولا أجرب أن استبقها وأطأ على براعمها المنبثقة”.
لقد اعتبره عبد السلام العجيلي، كاتب القصة القصيرة الأوّل، ويروي عنه هذه الحادثة، فقد أخذ فؤاد الشايب إلى الزعيم حسني الزعيم، فأصدر هذا أمره إليه بأن يعدّ بلاغ الانقلاب، وأن يتكلم في الإذاعة ويعدّد سيئات العهد الذي مضى، لكن الشايب لم يلب الأمر الذي أوكل إليه، فأسمعه الزعيم قوارص الكلام وحلق شعره، وكانت هذه العقوبة وساماً على صدره.
كتب الرواية ولم يكملها، وبعدها تطلع إلى البحث والتأليف، وبعدهما تطلع إلى تطعيم الثقافة بالاقتصاد، وكانت له جولات في مجلة المعرفة التي أنشأها في رحاب وزارة الثقافة، ولكن الجولات بقيت تراوح في مكانها .
وهكذا فارق فؤاد الشايب الدنيا، وترك لنا آثاره ناقصة مشعثة، ترك الدنيا ولم يترك القلق، يشهد بذلك كلّ سطر مخطوط خلّقه، وكلّه مشع كالحجر الكريم، ولكن كلّه قلق واضطراب .
فيصل خرتش