الإمبريالية الترامبية في زمن كورونا..!
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “أميريكان هيرالد تريبيون” 25/4/2020
تستمر حماقات واشنطن الإمبريالية بلا هوادة في غمرة الجائحة العالمية، جائحة أودت بحياة أكثر من 50.000 أمريكي والعدد في ازدياد، فعلى سبيل المثال، في 26 آذار، “اتهمت” الولايات المتحدة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـ “إرهاب المخدرات”، كان هذا الخبر تافهاً، وما زال، ففنزويلا ليست دولة مخدرات، ولا تنتج الكوكائين أو أي نوع آخر من المخدرات.
طبقاً لتقرير نشرته إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية: “لا تزال كولومبيا المصدر الرئيسي لمعظم الكوكائين الذي تم ضبطه وتحليله في الولايات المتحدة… في عام 2018، كان نحو 90 بالمئة من عينات الكوكائين المختبرة آتية من كولومبيا، وستة بالمئة من البيرو، وأربعة بالمئة من مصدر مجهول”.
وفيما يخص مسارات تهريب الكوكائين، لا يمكن إنكار أن بعضه يمر من فنزويلا، لكن مقدار ما يمر عبرها ضئيل جداً، خاصة عندما يُقارن بمقدار ما يمر عبر هندوراس وغواتيمالا الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة و الغارقتين في مستنقع الفساد، ولا دليل على أن لحكومة مادورو علاقة بذلك، مع ذلك، أعلن ترامب أنه سيرسل مزيداً من السفن الحربية إلى البحر الكاريبي لمواجهة “التهديد المتنامي” المتمثل بنشاطات المخدرات غير الموجودة في كاراكاس.
يبدو أن ترامب يتوهم أنه جندي بحرية عظيم، إذ غرد سابقاً أنه أمر “البحرية الأمريكية بتدمير أي زورق مدفعي إيراني إذا ضايقوا سفننا في البحر”، لاحقاً، تعهد في مؤتمر صحفي “بإطلاق النار عليها حتى تخرج من المياه”، ويبدو أن تعليقاته هذه أتت رداً على حادثة حصلت في الخليج العربي، إذ زُعم أن بضعة زوارق حربية إيرانية قامت “بمناورات خطيرة هدفها مضايقة” السفن الحربية الأمريكية.
حدثَ حدثٌ مشابه في آب عام 1964، إذ تعرضت سفينة “يو إس إس مادوكس” لهجوم من طوربيد فيتنامي في خليج تونكين… مهلاً، لم يحدث هذا قطّ، بل ما حدث أن الحكومة الأمريكية اتهمت زوراً الفيتناميين بمهاجمة “يو إس إس مادوكس” في خليج تونكين، عندئذٍ فوض الكونغرس ليندون جونسون بنشر القوات التقليدية لمهاجمة شمال فيتنام، وبقية الحكاية معروفة.
اعترف جونسون سراً آنذاك: “كل ما أعرفه أن قوات البحرية كانت تصطاد الحيتان”.
هذا أحد الأمثلة العديدة عن زج حكومة الولايات المتحدة نفسها في الحروب، إنها تزج نفسها على الدوام، ومن هنا تأتي ضرورة تطوير رادعات عسكرية لمحاربة دول نحسبها “معادية” أو “شريرة”، قُل ما شئت عن كيم جونغ أون، إن هوسه بالأسلحة النووية مدفوع بخوفه من غزو الولايات المتحدة لبلاده، فما زال مصير صدام حسين والقذافي شاخصاً أمامه، فهما قُتلا بعد أن أوقفا نشاطهما النووي (فما كنا لنجرؤ على مهاجمة صدام لو كان يمتلك أسلحة دمار شامل).
تزامن تهديد ترامب “بتدمير” الزوارق الإيرانية مع أول إطلاق ناجح لإيران لقمرها الصناعي العسكري في الفضاء، احتجت الولايات المتحدة على أن ذلك يعكس محاولة إيران تطوير برنامجها الصاروخي بعيد المدى، وهي التي تملك عدداً لا بأس به من هذه الأقمار الصناعية في مدار الكرة الأرضية.
قال جون هيتين، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة: “إن الأمر يتماشى مع مضايقات الزوارق الحربية السريعة”. كما قال مايك بومبيو إن إطلاق القمر الصناعي ينتهك قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي يدعو إيران إلى عدم “القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لكي تكون قادرة على حمل رؤوس نووية” لمدة ثماني سنوات بعد توقيع الاتفاق النووي، وقال: “يجب محاسبة إيران على ما فعلته”.
أليس منطقه معيباً، لربما نسي أن الولايات المتحدة أفسدت الاتفاق النووي قبل عامين، لم تقرر إيران عن استئنافها تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 3.67% إلى بعد إعادة فرض العقوبات المدمرة عليها (التي حظرها قرار الأمم المتحدة نفسه، بالمناسبة)، قبل ذلك، أعلنت الأمم المتحدة مراراً أن إيران تمتثل تماماً لبنود الاتفاقية، والآن تُطالب الحكومة الأمريكية، التي لم تُحاسب قطّ على أي جُرم ارتكبته، بمحاسبة إيران لخرقها خطة العمل الشاملة المشتركة.
إن الحد الذي وصلوا إليه في ازدراء الحقيقة والمنطق استثنائي، يُذكرنا هذا بوصف الدبلوماسي السابق تشاس فريمان للولايات المتحدة بأن “علاقاتها الخارجية مكافئة للمعتل الاجتماعي – فهي بلد لا يبالي بالقواعد، ولا بعواقب تجاهل الآخرين لها، ولا بمصداقية تعهداتها”.
بالرغم مما يقوله مايك بومبيو وبنيامين نتنياهو، العقيدة العسكرية الإيرانية دفاعية، حتى البنتاغون يعترف بذلك، في تقييم جرى عام 2019، كتبت وكالة استخبارات الدفاع أن “إستراتيجية إيران العسكرية تعتمد أساساً على الردع والقدرة على الرد على المعتدي”، وكتبت فيما يخص الصواريخ البالستية: “تبنت إيران الصواريخ البالستية كقدرة هجومية بعيدة المدى لثني أعدائها عن مهاجمتها”.
كان الوضع سيئاً قبل ترامب، والآن أمسى أسوأ بكثير، فترامب ينفذ ما توعز إليه آيباك، وهذا ما أوصل النزاع إلى نقطة الغليان، وإن كانت إيران تعمل على تطوير برنامج الصواريخ الباليستية، فلديها سبب وجيه لرغبتها في ذلك، فالإيرانيون أيضاً يتذكرون ما حدث لصدام والقذافي، لذا سيبذلون كل ما بوسعهم لتجنب مواجهة المصير نفسه – باستثناء صناعة سلاح نووي، لأن خامنئي يحرّمه بموجب الشريعة الإسلامية، وإطلاق القمر الصناعي العسكري خطوة في هذا الاتجاه، ويمكننا أن نتوقع خطوات أخرى.