اقتصادصحيفة البعث

التهريب.. بين الترتيب والتخريب!

 

في جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية التي عقدت قبل أمس، طالب المجلس وزارتي المالية والداخلية، وجميع الجهات المكلفة والمسؤولة عن مكافحة التهريب، التشدد بمحاربة هذه الآفة الأخطر على الاقتصاد الوطني. ونكاد نجزم أنها الآفة التي تتقدم على أية آفة أخرى في خطورة آثارها المدمرة، خاصة في زمن الأزمات، فما بالكم بالأزمات المركبة التي نمر بها؟ لأسباب ونتائج لسنا في وارد تعداد “بلاويها” على كيان الدولة عامة، وإنتاجية قطاعاتها، وعائدات ماليتنا، وسعر صرف نقدنا خاصة، وبالتالي استقرار وأمان وتأمين اقتصادنا بكل أركانه، واستقرار وأمان الحالة المعيشية المجتمعية، من أية هزة!.

التهريب – قولاً واحداً – هو علة العلل لاقتصادنا، وتلك مسلمة لا مجادلة فيها أبداً، فالكل متفق على هذا، مسؤولاً كان أم خبيراً أم مواطناً، والسؤال الوجيه هنا: لماذا لم يتم لجمه نهائياً، بل لماذا لم نستطع لغاية الآن – على الأقل – الحد منه والوصول بتغوله إلى نسب معقولة تخفف كثيراً من منعكساته القاسية الأثر والتأثير، اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً؟!

الجواب، برأينا الشخصي، ليس بالصعب، ولاسيما إذا عرف السبب الذي يبطل أي عجب!

أس الأسباب الفساد. وهنا، لن نجادل وزير المالية في  قوله: “ليس لدينا مؤسسات فاسدة، وإنما موظفين فاسدين”! لكن سنكتفي بالتحفظ على رأيه، وسنبين أدلتنا على ادعائنا.

أولها، كشفه – هو – في اجتماع رفيع المستوى ضم عدداً من نظرائه الوزراء إلى جانب عدد من مدراء الهيئات والمؤسسات والشركات، وغيرهم، عن أن وزارته لا تستطيع – حتى – الاقتراب من شاحنات “مرفقة” لشركات خاصة!

ثانيها، وفي الاجتماع نفسه، وعلى مسمع الوزير ونظرائه وكافة المجتمعين، أن أحد المشاركين بالاجتماع لم يجرؤ على تسمية المهربين في محافظة سورية تتصف بأنها أكثر المحافظات التي تشهد عمليات تهريب بشكل فاضح (وعلى عينك، ليس يا تاجر، بل يا مسؤول..!).. لم يجرؤ على ذكر أسماء المهربين حين طلب منه من يدير الاجتماع، وهو شخصية مسؤولة رفيعة المنصب، تسميتهم، وكان رده: أنت تعرفهم فسمهم! فرد عليه: لا أنت قل.. وهكذا “أنت قل”.. “لا أنت قل”، لينتهي الموضوع بتبادل الابتسامات والضحكات، ويتم قلب مثل هكذا قضية من الخطورة، لحالة هزر.. ويسدل الستار!

المفارقة المؤسفة، حد “البكاء”، فيما تقدم، يعريها اللجوء لإغراء المواطن العادي الذي يبدي تعاوناً مع الجمارك، ويدلي بمعلومات حول مهربين وعمليات تهريب.. إغراؤه بنسبة من غرامات المضبوطات المهربة، وشرعنة ذلك ضمن قانون الجمارك، وكذلك شرعنة السرية، حماية للمواطن “المتعاون”! متناسين أن من يرتكب جرم التهريب ليس مواطناً عادياً، بل مافيا منظمة ومحمية وذات نفوذ! فهل تريدون تحميل مواطن عادي مسؤولية ومهمة وتبعات هي من صلب عمل عناصر الجمارك، ممن يفترض أنهم محصنون بكل أنواع الحصانة القانونية وغير القانونية، ويفترض أنهم حراس حدودنا وبوابات تهريبه المعروفة إلى حد كبير، حيث المهربات ليست بالكيلوغرامات، وإنما بالأطنان وبملايين الوحدات من المنتجات الغذائية والسلع الصناعية!

ننتهي في هذه القضية المصيرية لاقتصادنا، التي لا تدعنا نتنفس التفاؤل لحظة، لمؤشر، ربما لا يريد ممن يفترض بهم الرقابة على القطاع الجمركي لحظه، رغم ما يتيحه من استدلال مباشر لمستوى الوضع المالي للكثير من العاملين بالجمارك.. مؤشر لما كان عليه أبسط عنصر في الجمارك، ما قبل تعيينه في هذا السلك، وبين ما أصبح عليه بعد سنوات قليلة من العمل فيه، ليتعرى كل شيء، وندرك على من نشدد وأين يجب أن نشدد.

وأخيراً، نقول: لا يمكننا إلا أن نراهن على الشرفاء في هذا السلك، فبهم وحدهم يكون الخلاص من آفة آفات اقتصادنا الوطني.

قسيم دحدل

qassm1965@gmail.com