“كورونا” يدخل العالم في سباق التسلح الصيدلاني
ترجمة: علي اليوسف
عن موقع غلوبال ريسيرتش 26/4/2020
من الممكن اكتشاف العامل المركزي في الصراع على السلطة بين الدول، والذي وصفه الباحث الأرجنتيني مارسيلو جولو بأنه “عتبة القوة”. في السابق، كانت العتبة الأولى هي الدولة الوطنية، والثانية كانت التصنيع، والثالثة كانت الاستحواذ على الأراضي خلال الفترة الاستعمارية الجديدة، والرابعة كانت القنبلة الذرية، والخامسة لم يتم تحديدها بشكل مثالي بعد، ولكنها مرتبطة بتقنيات عصر ما بعد الذرة.
نحن اليوم في عالم يدمره وباء عالمي، حيث تستثمر جميع البلدان كل ما لديها في البحث عن الأدوية واللقاحات ضد الفيروسات التاجية الجديدة، ولكن إذا اتجهنا بالتفكير بشكل أعمق فلا شك أننا مدعون للتأمل في ما ستكون عليه “عتبة القوة” الجديدة والحالية.
في إنكلترا، بدأ العلماء في 23 نيسان أول تجارب سريرية على البشر، وأكد وزير الصحة البريطاني مات هانكوك هذه المعلومات. وبحسب السكرتيرة، فإن المشروع يتلقى تمويلاً حكومياً قدره 20 مليون جنيه إسترليني. ووفقاً لعالم الأمراض المعدية أندرو بولارد ، الذي يقود المشروع البحثي، سينتج مركز لقاح أكسفورد مليون جرعة من اللقاح بحلول شهر أيلول القادم على الرغم من أنه في فترة التجارب السريرية. الهدف الإنكليزي هو إنتاج لقاح قبل الموعد النهائي المحدد بسنة واحدة على النحو المنصوص عليه من قبل منظمة الصحة العالمية، والذي، بلا شك، سيضع البريطانيين في الأفضلية على جميع الدول تقريباً.
من جانبها تأمل ألمانيا أيضاً في الاستفادة من هذا السباق، فقد سمحت الحكومة الألمانية بالتجارب السريرية الأولى للقاح ضد الفيروس التاجي الجديد، وسيشارك مائتان من الأشخاص الأصحاء في المرحلة الأولى من الاختبارات. يحاول العلماء التحقق من تطور المناعة ويريدون تضمين المزيد من الأشخاص في الاختبارات في خطوة ثانية من التجارب، لكن رئيس معهد التطعيم حذر من أن العملية ستستغرق شهوراً قبل الموافقة على أي لقاح وإتاحته للسكان في المراكز الصحية في البلاد. كما أن شركتي الأدوية Pfizer وشركة التكنولوجيا الحيوية BioNTech SE الرائدتين في مجال تطوير اللقاح في ألمانيا تنتظران أيضاً ترخيصاً لبدء التجارب السريرية في الولايات المتحدة.
في مقابل ذلك، تتمتع الصين، الدولة الأولى التي تسيطر على العدوى ، بميزة نسبية على الدول الأخرى، التي تأثرت بالفيروس لاحقاً. بدأت بكين تجارب سريريه على لقاح تجريبي في آذار الماضي، مع إعطاء جرعات لأكثر من 100 متطوع تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 سنة في مدينة ووهان لمدة ستة أشهر وستتم متابعة المتطوعين، ولهذا السبب لم يتم تحديد نتائج حتى الآن فيما يتعلق بفعالية اللقاح. في آذار أيضاً، بدأت الولايات المتحدة في اختبار لقاح تجريبي حيث تجري شركة التكنولوجيا الحيوية Moderna Therapeutics البحث. بدورها أعلنت روسيا أنها ستكون مستعدة لبدء اختبار لقاحاتها التجريبية على البشر ابتداءً من حزيران القادم، وقال رينات ماكسيوتوف ، الذي يدير مركز ولاية فيكتور، إنه يخطط لتنفيذ المرحلة الأولى من اختبار ثلاثة لقاحات على 180 متطوعاً اعتباراً من 29 حزيران. ووفقاً لمدير مركز ولاية فيكتور، فقد طور العلماء في مختبره، الواقع في مدينة نوفوسيبيرسك في سيبيريا ، النماذج الأولية للقاح على أساس ستة منصات تكنولوجية مختلفة. وحالياً، يستمر إجراء الاختبارات على الحيوانات، وسيتم الإعلان عن النماذج الأولية الواعدة حتى 30 نيسان ، حيث سيتم إرسالها للاختبار البشري.
لا تزال هناك مشاريع لقاحات مختلفة أخرى جارية. وكما نرى، فإن بعض أقوى دول العالم تعيش في سباق سيئ السمعة لتطوير لقاحها الخاص، والذي يمثل للدولة استقلالية صيدلانية حقيقية وميزة بالغة في عصر الأوبئة. في الواقع ، جلب لنا الفيروس التاجي الجديد تغييراً كبيراً جداً في النظام العالمي، على الرغم من أننا ما زلنا بعيدين عن معرفة أعظم آثاره: “نحن بالفعل في عصر الأوبئة، والأمة التي تحصل على السيادة الصيدلانية سوف تصل إلى “عتبة القوة” الأحدث.
خلال الحرب الباردة، كانت القنبلة الذرية تمثل حد السيادة الوطنية حيث تنافس الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة مع بعضهما البعض في سباق تسلح كبير من أجل اكتساب ميزة تفوق الحرب. في الوقت الحالي، وفي سياق الحرب المختلطة وربما الأسلحة البيولوجية، لا يمكن أن تكون أقوى الدول راضية عن الطاقة النووية، ولكن يجب أن تهتم بالاستثمار في البحوث البيولوجية والصيدلانية لأغراض الدفاع خاصةً أن اللقاح هذه الأيام أصبح مرادفاً للسلطة.
إن ما نشهده الآن هو سباق تسلح جديد، حيث باتت الأسلحة هي أدوات لمكافحة الأوبئة القاتلة، والتي ستصبح أكثر تواتراً في سياق العولمة والتداول الهائل للناس ما يعني دخولنا عصر الأوبئة وسباق اللقاحات، لكن مع دخول العالم هذا السباق فإن أسوأ سيناريو يمكن أن يكون هو السيناريو الذي تتحكم فيه الشركات الخاصة في هذه اللقاحات، لأن هذا سيجعل الشركات في وضع أفضل من الدول القومية، والملفت أن الغرب بأكمله يراقب هذا الوضع باهتمام.